قوله عز وجل: { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلا ٱللَّهُ } قال الزجاج هذه الفاء جواب الجزاء، ومعناه: قد بينا ما يدل على توحيد الله فاعلم أنه لا إلٰه إلا الله، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم أن الله تعالى واحد، إنما خاطبه والمراد به أمته ويقال هذا الأمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، ومعناه فاثبت على إظهار قول لا إلٰه إلا الله، يعني: ادع الناس إلى ذلك، ويقال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"ليتني أعلم أي الكلام أفضل، وأي الدعاء أفضل، فأعلمه الله تعالى أن أفضل الكلام التوحيد، وأفضل الدعاء الاستغفار" ، ثم قال: { وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } روى الزهري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في كل يوم سبعين مرة أو أكثر" وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إني أستغفر الله تعالى وأتوب إليه في كل يوم مائة مرةٍ" وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن جريج قال: قيل لعطاء: استغفر للمؤمنين في المكتوبة؟ قال نعم، قلت فمن أبتدىء؟ قال فبنفسك كما قال الله تعالى: واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } يعني: منتشركم بالنهار، ومأواكم بالليل، ويقال ذهابكم ومجيئكم قوله عز وجل: { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لَوْلاَ نُزّلَتْ سُورَةٌ } وذلك أنهم كانوا يأنسون بالوحي ويستوحشون إذا أبطأ، فاشتاقوا إلى الوحي فقالوا لولا نزلت، هلا نزلت سورة، قال الله تعالى { فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ } يعني: مبينة الحلال والحرام { وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ } يعني: أمروا فيها بالقتال، وقال قتادة: كل سورة ذكر فيها ذكر القتال فهي محكمة، وقال القتبي في قراءة ابن مسعود سورة محدثة، وتسمى المحدثة محكمة لأنها إذا نزلت تكون محكمة ما لم ينسخ منها شيء، ويقال { فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ } فِيها ذكر القتال، وطاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - فرح بها المؤمنون، وكره المنافقون فذلك قوله { رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } يعني: الشك والنفاق { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِىّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } كراهية لنزول القرآن، يعني إنهم يشخصون نحوك بأبصارهم وينظرون نظراً شديداً من شدة العداوة، كما ينظر المريض عند الموت { فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } فهذا تهديد ووعيد، يعني: وليهم المكروه، يعني: قل لهم احذروا العذاب، وقد تم الكلام ثم قال: { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } قال القتبي هذا مخصوص، يعني: قولهم قبل نزول الفرض سمعاً لك وطاعة، فإذا أمروا به كرهوا ذلك، ويقال: معناه طاعة وقول معروف أمثل لهم، ويقال معناه: فإذا أنزلت سورة ذات طاعة يؤمر فيها بالطاعة، وقول معروف { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ } أي جاء الجد ووقت القتال، فلم يذكر في الآية جوابه، والجواب فيه مضمر معناه: فإذا عزم الأمر يعني: وجب الأمر، وجد الأمر، كرهوا ذلك، ثم ابتدأ فقال: { فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } يعني: لو صدقوا الله في النبي وما جاء به، لكان خيراً لهم من الشرك والنفاق، قوله { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ } يعني: لعلكم وَإِن وليتم أمر هذه الأمة { أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ } بالمعاصي يعني: أن تعصوا الله في الأرض { وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ } قال السدي: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض، بالمعاصي، وتقطعوا أرحامكم، فإن المؤمنين إخوة فإذا قتلوهم فقد قطعوا أرحامهم، وروى جبير عن الضحاك قال: نزلت في الأمراء إن تَوَلَّيتم، أمر الناس أن تفسدوا في الأرض، ويقال: معناه إن أعرضتم عن دين الإسلام، وعما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن تفسدوا في الأرض بسفك الدماء ودفن البنات، وقطع الأرحام { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ } يعني: هل تريدون إذا أنتم تركتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وما أمركم به إِلاَّ أن تعودوا إلى مثل ما كنتم عليه من الكفر والمعاصي وقطع الأرحام، قرأ نافع (فَهَل عَسِيتُم) بكسر السين والباقون بالنصب، وهما لغتان إلا أن النصب أظهر عند أهل اللغة، قوله عز وجل: { أَوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } يعني: أهل هذه الصفة خذلهم الله وطردهم من رحمته، قوله { فَأَصَمَّهُمْ } عن الهدى فلا يعقلونه { وَأَعْمَىٰ أَبْصَـٰرَهُمْ } عن الهدى فلا يبصرونه عقوبة لهم.