التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ
٢
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ
٣
-الحجرات

بحر العلوم

فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ولم يقل يا أيها الذين عصوا، وقد ذكرنا من قبل أن النداء على ست مراتب وهذا نداء مدح قوله عز وجل { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىِّ } نزلت في وفد بني تميم قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم سبعون أو ثمانون منهم الأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، وعطارد بن الحجاب وذلك حين قالوا ائذن لشاعرنا وخطيبنا في الكلام، فعلت الأصوات واللغط، فنزلت الآية { لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىِّ } ويقال نزلت في ثابت بن قيس ابن شماس وكان في أذنه وقر، فكان إذا تكلم رفع صوته، ثم قال: { وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } يعني: لا تدعوه باسمه كما يدعو الرجل الرجل منكم باسمه، ولكن عظموه ووقروه وقولوا: يا نبي الله، ويا رسول الله ثم قال: { أَن تَحْبَطَ أَعْمَـٰلُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } أن ذلك يحبطها، يعني: إن فعلتم ذلك فتحبط حسناتكم، وقال بعضهم من عمل كبيرة من الكبائر حبط جميع ما عمل من الحسنات، واحتج بهذه الآية { أَن تَحْبَطَ أَعْمَـٰلُكُمْ } ولكن نحن نقول: الكبيرة لا تبطل العمل ما لم يكفر، وإنما ذكر ها هنا إبطال العمل: لأن في ذلك استخفافاً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن قصد الاستخفاف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كفر، فلما نزلت هذه الآية دخل ثابت بن قيس بيته وجعل يبكي ويقول أنا من أهل النار، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فبعث إليه وقال "إنك من أهل الجنة بل غيرك من أهل النار فقال: يا رسول الله لا أتكلم بعد ذلك إلا سراً أو ما كان يشبه السر فنزل: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوٰتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ } - صلى الله عليه وسلم -" . روى ثابت عن أنس قال: " لما نزل لاَ تَرْفَعُواْ أَصْواتَكُمْ وكان ثابت بن قيس رفيع الصوت فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي، وحبط عملي، أنا من أهل النارِ وجلس في بيته يبكي، ففقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبروه بما قال، فقال - صلى الله عليه وسلم - بل هو من أهل الجنة" فقال أنس: لكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة فكان فينا بعض الانكشاف فجاء ثابت بن قيس وقد تحنط ولبس كفنه فقال بئس ما تعودون أقرانكم، فقاتلهم حتى قتل، ثم قال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوٰتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ } { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ } يعني: أخلص الله قلوبهم، ويقال أصفى الله عز وجل قلوبهم للتقوى من المعصية، يعني: يجعل قلوبهم موضعاً للتقوى { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } لذنوبهم { وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } أي ثواب وافر في الجنة، يعني: يجعل ثوابهم في الدنيا، أن يخلص قلوبهم للتقوى، وفي الآخرة أجر عظيم.