التفاسير

< >
عرض

وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ
١٨
يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١٩
-المائدة

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَارَى: نَحْنُ أبْنَاءُ ٱللهِ وأَحِبَّاؤُهُ } يعني نحن من الله تعالى بمنزلة الأبناء من الآباء، في المنزلة والكرامة، والوالد إذا سخط على ولده في وقت، يرضى عنه في وقت آخر. ويقال: معناه نحن أبناء الله وأحباؤه. قال الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - { قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم } يعني يحرقكم، لأنهم كانوا مقرين بأنه يحرقهم أربعين يوماً، أياماً معدودة، قل لهم فهل رأيتم والداً يحرق ولده، أو يحرق مُحِبَّه، ففي الآية دليل: أن الله تعالى إذا أحب عبده يغفر ذنوبه ولا يعذبه بذنوبه، لأنه احتج عليهم فقال: { فَلِمَ يُعَذِّبُكُم } إن كنتم أحباء الله تعالى وقال في آية أخرى { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة: 222]، ففيه دليل على أنه لا يعذب التوابين بذنوبهم، ولا المجاهدين الذين يجاهدون لقوله تعالى { { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً } [الصف: 4] ثم قال { بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ } يعني أنتم لستم بأبناء الله، ولا أحبائه، ولكن أنتم خلق كسائر خلق الله تعالى، ثم قال: { يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ } أي يتجاوز عمن يشاء فيهديه لدينه { وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ } فيهينه ويتركه على الكفر { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } من الخلق { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } يعني إليه المرجع، فيجزيهم بأعمالهم. قوله تعالى: { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ } يعني يا أهل التوراة والإنجيل، وإنما أضافهم إلى الكتاب - والله أعلم - على وجه التعبير، يعني أنتم أهل الكتاب فلم لا تعملون بكتابكم؟ كقوله: يا عاقل، لم لا تفعل كذا وكذا، وإنما تذكر العقل على معنى التعيير، أي إنك لا تعمل عمل العقلاء ثم قال: { قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا } يعني محمداً - صلى الله عليه وسلم - { يُبَيِّنُ لَكُمْ } الدين والأحكام والشرائع { عَلَىٰ فَتْرَةٍ مَّنَ ٱلرُّسُلِ } يعني بعد انقطاع من الرسل والوحي، وقال مقاتل: في الآية تقديم وتأخير، معناه قد جاءكم رسولنا على فترة من الرسل، يبين لكم، وإنما سمي فترة لأن الدين يفتر ويندرس عند انقطاع الرسل، يعني بين عيسى ومحمد - عليهما السلام - وقال قتادة: كان بين عيسى ومحمد - عليهما السلام - خمسمائة وستون سنة. وقال الكلبي: خمسمائة وأربعون سنة وقال الضحاك ومقاتل: كان بينهما ستمائة سنة. وقال وهب: كان بينهما ستمائة وعشرون سنة. ثم قال: { أَن تَقُولُواْ مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ } يعني لكي لا تقولوا ما جاءنا من رسول بعد ما درس الدين ليبشرنا وينذرنا { فَقَدْ جَاءكُمُ } محمد - صلى الله عليه وسلم - { بَشِيرٌ } بالجنة { وَنَذِيرٌ } من النار { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } من المغفرة والعذاب وبعث الرسل.