التفاسير

< >
عرض

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ
١٢
وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ
١٣
وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ
١٤
أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ
١٥
وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ
١٦
إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ
١٧
مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
١٨
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ
١٩
وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ
٢٠
وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ
٢١
لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ
٢٢

بحر العلوم

{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْم نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ } والرس: بئر دون اليمامة، وإن عليها قوماً كذبوا رسلهم فأهلكهم الله تعالى { وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوٰنُ لُوطٍ } يعني قومه { وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ } يعني قوم شعيب { وَقَوْمُ تُّبَّعٍ } يعني قوم حمير، ويقال: تبع كان اسم ملك، وروى وكيع عن عمران بن جرير عن أبي مجلز قال جاء عبد الله بن عباس، إلى عبد الله بن سلام فسأله عن تبع فقال: كان تبع رجلاً من العرب ظهر على الناس وسبا على فتية من الأحبار، فكان يحدثهم ويحدثونه، فقال قومه إن تبعاً ترك دينكم، وتابع الفتية، فقال تبع للفتية: ألا ترون إلى ما قال هؤلاء؟ فقالوا: بيننا وبينهم النار التي تحرق الكاذب، وينجو منها الصادق، قال نعم، فقال تبع للفتية: ادخلوها، فتقلدوا مصاحفهم ثم دخلوها، فانفرجت لهم حتى قطعوها، ثم قال لقومه ادخلوها فلما دخلوا وجدوا حر النار، كفوا، فقال لهم لتدخلنها، فدخلوها فلما توسطوا، أحاطت بهم النار فأحرقتهم، وأسلم تبع وكان رجلاً صالحاً، ويقال كان اسمه سعد بن ملكي كرب، وكنيته أبو كرب { كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ } يعني جميع هؤلاء كذبوا رسلهم { فَحَقَّ وَعِيدِ } يعني وجب عليهم عذابي، معناه: فاحذروا يا أهل مكة مثل عذاب الأمم الخالية فلا تكذبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال عز وجل: { أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ } قال مقاتل: يعني: أعجزنا عن الخلق الأول حين خلقناهم ولم يكونوا شيئاً، [فكذلك نخلقهم ونبعثهم، أي ما عيينا عن ذلك، فكيف نعيي عن بعثهم، ويقال: معناه أعيينا خلقهم الأول ولم يكونوا شيئاً لأن الذي قد كان فإعادته أيسر في رأي العين، من الابتداء، يقال: عييت بالأمر إذا لم تعرف وجهه، وقال الزجاج: هذا تقرير تقرر لأنهم اعترفوا في الابتداء أن الله عز وجل خلقهم ولم يكونوا شيئاً، ثم قال { بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } يعني في شك من البعث بعد الموت، ويقال بل أقاموا على شكهم قوله عز وجل { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ } يعني جنس الإنسان، وأراد به جميع الخلق { وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } يعني ما يحدث به قلبه، ويتفكر في قلبه { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } يعني في القدرة عليه، وحبل الوريد: عرق يخالط القلب ويقال هو العرق الذي داخل العنق، الذي هو عرق الروح فأعلمه الله تعالى أنه أقرب إليه من ذلك العرق، ويقال: الوريدان عرقان بين الحلقوم والعلباوين، والحبل هو الوريد، وأضيف إلى نفسه لاختلاف لفظي اسميه قوله عز وجل { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقّيَانِ } يعني يكتب الملكان عمله ومنطقه، يعني يتلقيان منه ويكتبان، وقال أهل اللغة: تلقى وتلقف بمعنى واحد { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشّمَالِ قَعِيدٌ } يعني عن يمين ابن آدم وعن شماله قاعدان، أحدهما عن يمينه. والآخر عن شماله، وصاحب اليمين موكل على صاحب الشمال، اثنان بالليل واثنان بالنهار، وكان في الأصل قعيدان ولكن اكتفى بذكر أحدهما فقال: قعيد ثم قال عز وجل { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ } يعني ما يتكلم ابن آدم بقولٍ { إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } يعني عنده حافظ حاضر، وقال الزجاج: عتيد أي ثابت لازم قوله تعالى { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } يعني جاءت غمرته بالحق أنه كائن، ويقال: جاءت نزعات الموت بالحق، يعني بالسعادة والشقاوة، يعني يتبين له عند الموت، ويقال فيه تقديم ومعناه: جاءت سكرة الحق بالموت، روي عن أبي بكر الصديق أنه كان يقرأ "وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالمَوْتِ { ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } يعني يقال له هذا الذي كنت تخاف منه وتكره، ويقال ذلك اليوم الذي كنت تفر منه { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ } يعني النفخة الأخيرة وهي نفخة البعث { ذَلِكَ يَوْمَ ٱلْوَعِيدِ } يعني العذاب في الآخرة { وَجَاءتْ } أي جاءت يوم القيامة { كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ } سائق: يسوقها إلى المحشر، ويسوقها إلى الجنة أو إلى النار، وشهيد: يعني الملك يشهد عليها، وقال القتبي: السائق هاهنا: قرينها من الشياطين يسوقها، سمي سائقاً لأنه يتبعها، والشهيد: الملك، ويقال: الشاهد أعضاؤه، ويقال: الليل والنهار والبقعة تشهد عليه، ويقال له { لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مّنْ هَـٰذَا } يعني من هذا اليوم فلم تؤمن به، وقد ظهر عندك بالمعاينة { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ } يعني غطاء الآخرة، ويقال أريناك ما كان مستوراً عنك في الدنيا، ويقال: أريناك الغطاء الذي على أبصارهم، كما قال: "على أبصارهم غشاوة" حيث لم يعقلوا { فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } أي: نافذ، ويقال: شاخص بصره لا يطرف يديم النظر حين يعاين في الآخرة ما كان مكذباً به، ويقال حديد: أي حاد، كما يقال حفيظ يعني حافظ، وقعيد بمعنى قاعد، وقال الزجاج: هذا مثل ومعناه: إنك كنت بمنزلة من عليه غطاء فبصرك اليوم حديد، يعني علمك بما أنت فيه نافذ.