التفاسير

< >
عرض

بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ
٢
أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ
٣
قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ
٤
بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ
٥
أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ
٦
وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ
٧
تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ
٨
وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّٰتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ
٩
وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ
١٠
رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ
١١

بحر العلوم

قوله عز وجل: { بَلْ عَجِبُواْ أَن جَاءهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ } يعني من أهل مكة { فَقَالَ ٱلْكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا شَىْء عَجِيبٌ } يعني أمر عجيب أن يكون محمد رسولاً وهو من نسبهم قوله تعالى { أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً } بعد الموت نجدد، بعدما متنا نصير خلقاً جديداً { ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ } يعني رد طويل لا يكون أبداً، ويقال رجع يرجع رجعاً إذا رجعه غيره، ورجع يرجع رجوعاً إذا رجع بنفسه، كقوله صد يصد صدوداً، وصد يصد صداً، { ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ } أي ذلك صرف بعيد، قوله تعالى { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضَ مِنْهُمْ } يعني ما تأكل الأرض من لحومهم وعروقهم، وما بقي منهم، ويقال: تأكل الأرض جميع البدن إلا العصعص، وهو عجب الذنب، وذلك العظم آخر ما يبقى من البدن، فأول ما يعود، ذلك العظم، ويركب عليه سائر البدن { وَعِندَنَا كِتَـٰبٌ حَفِيظٌ } يعني اللوح المحفوظ قوله عز وجل: { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ } يعني كذبوا بالقرآن، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم، والبعث { لَمَّا جَاءهُمْ } أي حين جاءهم { فَهُمُ } يعني قريش { فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ } يعني في قول مختلف ملتبس، المريج: أن يقلق الشيء فلا يستقر، ويقال: مرج الخاتم في يدي مرجاً: إذا قلق للهزال، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: { فَهُمْ فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ } أي من ترك الحق، يقال: من ترك الحق أمرج عليه رأيه والتبس عليه دينه، ثم دلهم على قدرته على بعثهم بعد الموت بعظيم خلقه الذي يدل على وحدانيته فقال { أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى ٱلسَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَـٰهَا } بغير عمد { وَزَيَّنَّـٰهَا } بالكواكب { وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } يعني شقوق وصدوع وخلل قوله تعالى { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَـٰهَا } يعني بسطناها مسير خمسمائة عام من تحت الكعبة { وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوٰسِيَ } يعني الجبال الثوابت، قوله { وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } يعني حسن طيب من الثمار والنبات قوله تعالى { تَبْصِرَةً } يعني في هذا الذي ذكره من خلقه تبصرة لتبصروا به، ويقال: عبرة، { وَذِكْرَىٰ } يعني تفكراً وعظة { لّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } يعني مخلص بالتوحيد، ويقال: راجع إلى ربه قوله تعالى { وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء مُّبَـٰرَكاً } يعني المطر، فيه البركة، حياة لكل شيء { فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّـٰتٍ } يعني البساتين { وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ } يعني حين ما يخرج من سنبله، ويقال: ما يحصد وما لا يحصد كل ما كان له حب، ويقال هي الحبوب التي تحصد قوله عز وجل { وَٱلنَّخْلَ بَـٰسِقَـٰتٍ } يعني أطوال { لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ } يعني الكفري، نضيد يعني: مجتمع، يقال: نضد بعضه على بعض، ويقال ثمر منضود إذا كان متراكباً بعضه على بعض، ويقال إنما يسمى نضيداً ما كان في الغلاف، { رِّزْقاً لّلْعِبَادِ } يعني جعلناه طعاماً للخلق، يعني الحبوب والثمر { وَأَحْيَيْنَا بِهِ } يعني بالماء { بَلْدَةً مَّيْتاً } إذا لم يكن فيها نبات، فهذا كله صفات بركة المطر ثم قال { كَذٰلِكَ ٱلْخُرُوجُ } يعني هكذا الخروج من القبر، كما أحييت الأرض الميتة بالنبات، فكذلك لما ماتوا وبقيت الأرض خالية أمطرت السماء أربعين ليلة كمني الرجل فدخل في الأرض، فتنبت لحومهم وعروقهم وعظامهم من ذلك ثم يحييهم، فذلك قوله { كَذٰلِكَ ٱلْخُرُوجُ } ثم عزى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصبر على إيذاء الكفار يعني لا تحزن بتكذيب الكفار إياك لأنك لست بأول نبي وكل أمة كذبت رسلها مثل نوح وهود عليهم السلام وغيرهم فقال عز وجل { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْم نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ... }.