التفاسير

< >
عرض

فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ
٢٩
أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ
٣٠
قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ
٣١
أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
٣٢
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ
٣٣
فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ
٣٤
أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ
٣٥
أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ
٣٦
أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ
٣٧
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٣٨
-الطور

بحر العلوم

فقال عز وجل: { فَذَكّرْ } يعني: فعظ بالقرآن { فَمَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } يعني: برحمة ربك ويقال هو كقوله ما أنت بحمد الله مجنون وقال أبو سهل متعظ بالقرآن ولست أنت والحمد لله { بِكَـٰهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ } ويقال فذكر يعني: ذكرهم بما أعتدنا للمؤمنين المتقين وبما أعتدنا للضالين الكافرين فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون يعني لست تقول بقول الكهنة ولا تنطق إلا بالوحي ثم قال: { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ } يعني: أيقولون هو شاعر يأتي من قبل نفسه وهو قول الوليد بن المغيرة وأبي جهل وأصحابهما { نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } يعني: أوجاع الموت وحوادثه، قال قتادة ريب المنون الموت، وقال مجاهد ريب المنون حوادث الدهر وقال القتبي حوادث الدهر وأوجاعه ومصايبه ويقال إنهم كانوا يقولون قد مات أبوه شاباً وهم ينتظرون موته. { قُلْ تَرَبَّصُواْ } يعني: انتظروا هلاكي { فَإِنّى مَعَكُمْ مّنَ ٱلْمُتَرَبّصِينَ } وذكر في التفسير أن الذين قالوا هكذا ماتوا كلهم قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى: { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَـٰمُهُمْ بِهَـٰذَا } يعني: أتأمرهم عقولهم وتدلهم على التكذيب والإيذاء بمحمد - صلى الله عليه وسلم - { أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } يعني: بل هم قوم عاتون في معصية الله تعالى: { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ } يعني: أيقولون أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - يقول من ذات نفسه واللفظ لفظ الاستفهام والمراد به الزجر والوعيد ثم قال: { بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ } يعني: لا يصدقون بالرسول والكتاب عناداً وحسداً منهم، قوله عز وجل: { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ } يعني: إن قلتم إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - يقول من ذات نفسه فأتوا بمثل هذا القرآن كما جاء به { إِن كَانُواْ صَـٰدِقِينَ } في قولهم. ثم قال: { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ } يعني: من غير رب، كانوا هكذا خلقاً من غير شيء ومعناه كيف لا يعتبرون بأن الله تعالى خلقهم فيوحدونه ويعبدونه ويقال أم خلقوا من غير شيء يعني لغير شيء، ومعناه أخلقوا باطلاً لا يحاسبون ولا يؤمرون ولا ينهون ثم قال { أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ } يعني: أهم خلقوا الخلق أم الله تعالى ومعناه أن الله تعالى خلق الخلق وهو الذي يبعثهم يوم القيامة ثم قال { أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } يعني: بل الله تعالى خلقهم { بَل لاَّ يُوقِنُونَ } بتوحيد الله الذي خلقهما أنه واحد لا شريك له ثم قال { أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ } يعني: مفاتيح رزق ربك، ويقال: مفاتيح ربك الرسالة فيضعونها حيث شاؤوا ولكن الله يختار من يشاء كقولهم { { أَءُلْقِىَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا } [القمر: 25] ثم قال { أَمْ هُمُ ٱلْمُسَيْطِرُونَ } يعني: أهم المسلطون عليهم يحملونهم حيث شاؤوا على الناس فيجبرونهم بما شاؤوا، قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي في إحدى الروايتين المسيطرون بالسين والباقون بالصاد وقرأ حمزة المزيطرون بإشمام الزاء وقال الزجاج تسيطر علينا وتصيطر وأصله السين وكل سين بعدها طاء يجوز أن تقلب صاداً مثل مسيطر ويبسط ثم قالوا { أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ } يعني: سبباً إلى السماء { يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } يعني: يرتقون عليه فيستمعون القول من رب العالمين { فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } أي بحجة بينة.