التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
١٥
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
١٦
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
١٧
كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
١٨
إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ
١٩
تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ
٢٠
-القمر

بحر العلوم

قوله تعالى { وَلَقَدْ تَّرَكْنَـٰهَا ءايَةً } أي سفينة نوح أبقيناها عبرة للخلق، وقال بعضهم: يعني تلك السفينة بعينها كانت باقية على الجبل إلى قريب من خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال بعضهم يعني جنس السفينة صارت عبرة لأن الناس لم يعرفوا قبل ذلك سفينة فاتخذت الناس السفن بعد ذلك في البحر فلذلك كانت آية للناس ثم قال: { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } يعني هل من معتبر يعتبر بما صنع الله تعالى بقوم نوح فيترك المعصية، ويقال: فهل من مذكر يتعظ بأنه حق ويؤمن به، وقال أهل اللغة أصل مدكر مفتعل من الذكر مذتكر فأدغمت الذال في التاء ثم قلبت دالاً مشددة ثم قال { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ } يعني كيف رأيت عذابي وإنذاري لمن أنذرهم الرسل فلم يؤمنوا والنذر بمعنى الإنذار قوله عز وجل { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءانَ } يعني هونا القرآن { لِلذِّكْرِ } يعني للحفظ، ويقال: هونا قراءاته، وروى الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "لولا قول الله تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ما طاقت الألسن أن تتكلم به" ، ويقال هوناه لكي يذكروا به. ثم قال { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } يعني متعظ يتعظ بما هون من قراءة القرآن، وروى الأسود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فهل من مدكر بالدال فقال النبي عليه السلام فهل من مذكر يعني بالذال قوله تعالى { كَذَّبَتْ عَادٌ } يعني كذبوا رسولهم هود { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ } يعني أليس وجوده حقاً ونذر جمع نذير، قال القتبي النذر جمع النذير والنذير بمعنى الإنذار مثل التنكير بمعنى الإنكار يعني كيف كان عذابي وإنكاري ثم بين عذابه فقال عز وجل: { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } يعني سلطنا عليهم ريحاً باردة { فِى يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرّ } يعني شديدة استمرت عليهم لا تفتر عنهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً دائمة { تَنزِعُ ٱلنَّاسَ } يعني تنزع أرواحهم من أجسادهم وهذا قول مقاتل ويقال في يوم نحس يعني يوم مشؤوم عليهم مستمر يعني استمر عليهم بالنحوسة، وقال القتبي الصرصر ريح شديدة ذات صوت تنزع الناس يعني تقلعهم من مواضعهم { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } يعني صرعهم فكبهم على وجوههم كأنهم أصول نخل منقلعة من الأرض فشبههم لطولهم بالنخيل الساقطة. وقال مقاتل كان طول كل واحد منهم اثنى عشر ذراعاً، وقال في رواية الكلبي كان طول كل واحد منهم سبعين ذراعاً فاستهزؤوا حين ذكر لهم الريح فخرجوا إلى الفضاء فضربوا بأرجلهم وغيبوها في الأرض إلى قريب من ركبهم فقالوا قل للريح حتى ترفعنا فجاءت الريح فدخلت تحت الأرض وجعلت ترفع كل اثنين وتضرب أحدهما على الآخر بعدما ترفعهما في الهواء ثم تلقيه في الأرض، والباقون ينظرون إليهم حتى رفعتهم كلهم ثم رمت بالرمل والتراب عليهم وكان يسمع أنينهم من تحت التراب كذا وكذا يوماً.