التفاسير

< >
عرض

حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ
٥
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ
٦
خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ
٧
مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ
٨
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ
٩
فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ
١٠
فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ
١١
وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ
١٢
وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ
١٣
تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ
١٤
-القمر

بحر العلوم

قوله تعالى: { حِكْمَةٌ بَـٰلِغَةٌ } يعني جاءهم كلمة بالغة وهو القرآن يعني حكمة وثيقة { فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } يعني لا تنفعهم النذر إن لم يؤمنوا كقوله { { وَمَا تُغْنِ ٱلآيَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } [يونس: 101] ويقال: { فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } لم تنفعهم الرسل إذا نزل بهم العذاب إن لم يؤمنوا قوله تعالى { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } يعني اتركهم وأعرض عنهم بعدما أقمت عليهم الحجة { يَوْمَ يَدْعُو ٱلدَّاعِ } يعني يدعو إسرافيل على صخرة بيت المقدس { إِلَىٰ شَىْء نُّكُرٍ } يعني إلى أمر فظيع شديد منكر { خُشَّعاً } يعني ذليلة { أَبْصَـٰرَهُمْ } خاشعاً نصب على الحال يعني يخرجون خاشعاً قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو خاشعاً بالألف مع النصب والباقون خُشعاً بضم الخاء بغير ألف وتشديد الشين بلفظ الجمع، لأنه نعت للجماعة، ومن قرأ بلفظ الواحد فلأجل تقديم النعت، وقرأ ابن مسعود خاشعة بلفظ التأنيث، وقرأ ابن كثير إلى شيء نكْر بجزم الكاف، والباقون بالضم، وهما لغتان ثم قال عز وجل { يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ } يعني من القبور { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } يعني انتشروا عن معدنهم ويجول بعضهم في بعض قوله تعالى { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ } يعني مقبلين إلى صوت إسرافيل { يَقُولُ ٱلْكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } يعني شديد عَسِر عليه، وروي في الخبر "أنهم إذا خرجوا من قبورهم يمكثون واقفين أربعين سنة" ، ويقال: مائة سنة حتى يقولوا أرحنا من هذا ولو إلى النار ثم يؤمرون بالحساب ثم عزى نبيه - صلى الله عليه وسلم - ليصبر على أذى قومه كما لقي الرسل من قومهم فقال { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ } يعني قبل قومك يا محمد { قَوْمُ نُوحٍ } حين أتاهم بالرسالة { فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا } نوحاً { وَقَالُواْ مَجْنُونٌ } يعني قالوا لنوح إنك مجنون { وَٱزْدُجِرَ } يعني أوعد بالوعيد ويقال: صاحوا به حتى غشي عليه، وقال القتبي: وازدجر أي زجر وهو افتعل من ذلك فلما ضاق صدره { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّى مَغْلُوبٌ } يعني مقهور فيما بينهم { فَٱنتَصِرْ } يعني أعني عليهم بالعذاب فأجابه الله كما في سورة الصافات: { { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } [الصافات: 75] قوله عز وجل { فَفَتَحْنَا أَبْوٰبَ ٱلسَّمَاء } يعني طرق السماء { بِمَاء مُّنْهَمِرٍ } يعني منصباً كثيراً، وقال القتبي بماء منهمر أي كثير سريع الانصباب ومنه يقال همر للرجل إذا كثر من الكلام وأسرع فيه، قرأ ابن عامر ففتَّحنا بتشديد التاء على تكثير الفعل، وقرأ الباقون بالتخفيف لأنها فتحت فتحاً واحداً، قوله عز وجل { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } يعني أخرجنا من الأرض عيوناً مثل الأنهار الجارية { فَالْتَقَى ٱلمَاءُ } يعني ماء السماء وماء الأرض { عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } يعني على وقت قد قضى { وَحَمَلْنَاهُ } يعني حملنا نوحاً { عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوٰحٍ } يعني على سفينة قد اتخذت بألواح { وَدُسُرٍ } يعني سفينة قد شدت بالمسامير، وقال بعضهم: كانت سفينة نوح من صاج، وقال بعضهم: من خشب شمشار، ويقال: من الجوز، وقال القتبي: الدسر المسامير واحدها دسار وهي أيضاً الشريط الذي يشد بها السفينة ثم قال { تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا } يعني تسير السفينة بمنظر منا وأمرنا، ويقال بمراد وحفظ منا وقال الزجاج في قوله "فالتقى الماء" ولم يقل: الماءان لأن الماء اسم لجميع ماء السماء وماء الأرض فلو قال ماءان لكان جائزاً لكنه لم يقل ثم قال { جَزَاء لّمَن كَانَ كُفِرَ } يعني الحمل على السفينة ثواب لنوح الذي كفر به قومه، وقرأ بعضهم جزاء لمن كان كفر بالنصب يعني الفرق عقوبة لمن كذب بالله تعالى وبنوح.