قوله تبارك وتعالى { ٱلرَّحْمَـٰن عَلَّمَ ٱلْقُرْءانَ } وذلك أنه لما نزل قوله تعالى اسجدوا للرحمن قال كفار مكة وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا، وقالوا ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة الكذاب فأنزل الله تعالى { ٱلرَّحْمَـٰنُ } فأخبر عن نفسه وذكر صفة توحيده فقال { ٱلرَّحْمَـٰنُ } يعني: الرحمٰن الذي أنكروه علم القرآن يعني أنزل القرآن على محمد - صلى الله عليه وسلم - ليقرأه عليه جبريل عليه السلام ويعلمه { خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ } يعني الذي خلق آدم من أديم الأرض ويقال خلق محمداً، ويقال خلق الإنسان أراد به جنس الإنسان يعني جعله مخبراً مميزاً حتى يميز الإنسان من جميع الحيوان { عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } يعني الكلام ويقال يعني الفصاحة ويقال الفهم ثم قال { ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } يعني بحساب ومنازل ولا يتعدانها، ويقال: بحسبان يعني يدلان على عدد الشهور والأوقات ويعرف منها الحساب { وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } والنجم كل نبات ينبسط على وجه الأرض ليس له ساق مثل الكرم والقرع ونحو ذلك أو الشجر كل نبات له ساق يسجدان يعني ظلهما يسجدان لله تعالى في أول النهار وآخره ويقال يسجدان يعني يسبحان الله تعالى كما قال
{ { وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ } [الإسراء: 44] ويقال: خلقهما على خلقه فيها دليل لربوبيته ويدل الخلق على سجوده، وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله والنجم والشجر يسجدان قال نجوم السماء وأشجار الأرض يسجدان بكرة وعشياً ثم قال عز وجل { وَٱلسَّمَاء رَفَعَهَا } يعني من الأرض مسيرة خمسمائة عام { وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ } يعني أنزل الميزان للخلق يوزن به وإنما أنزل في زمان نوح عليه السلام ولم يكن قبل ذلك ميزان { أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِى ٱلْمِيزَانِ } يعني لكي لا تظلموا في الميزان، ويقال ووضع الميزان يعني أنزل العدل في الأرض ألا تطغوا في الميزان يعني لكي لا تميلوا عن العدل { وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ } يعني اعدلوا في الوزن { وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ } يعني لا تنقصوا حقوق الناس في الوزن، ويقال وأقيموا الوزن يعني أقيموا اللسان بالقول ولا تخسروا الميزان يعني لا تقولوا بغير حق { وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } يعني بسط الأرض للخلق. { فِيهَا فَـٰكِهَةٌ } يعني وخلق من الأرض من ألوان الفاكهة، { وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ } يعني: ذات النخيل الطويل، الموقرة بالطلع، ذات الخلق، وإنما العجائب في خلقه وما يتولد منه لأنه يتولد من النخيل من المنافع ما لا يحصى، وقال القتبي: { ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ } يعني ذات الكوى قبل أن تتفتق وغلاف كل شيء أكمه { ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ } يعني: ذات الغلاف.