التفاسير

< >
عرض

مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ
١٩
بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ
٢٠
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٢١
يَخْرُجُ مِنْهُمَا ٱلُّلؤْلُؤُ وَٱلمَرْجَانُ
٢٢
فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٢٣
وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ
٢٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٢٥
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ
٢٦
وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ
٢٧
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٢٨
يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ
٢٩
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٠
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ
٣١
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٢
-الرحمن

بحر العلوم

قوله عز وجل: { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ } يعني أرسل البحرين ويقال خلَّى البحرين ويقال خلق البحرين يلتقيان يعني مالح وعذب { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ } يعني حاجز { لاَّ يَبْغِيَانِ } يعني لا يختلطان فيغير طعمه وأصل البغي التطاول والجَوْرُ والظلم، وقال بعضهم بينهما حاجز لطيف لا يراه الخلق وإنما العبرة في ذلك أنه لا يرى ويقال بعضهم ليس هناك شيء وإنما تمنعهما من الاختلاط قدرة الله تعالى ويقال يلتقيان أي يتقابلان أحدهما بحر الروم والآخر بحر فارس وقيل بحر الهند وبينهما برزخ لا يبغيان أي لا يختلطان؛ { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ } بلطف الله تعالى أي باللطف تمنع عن الامتزاج وهما بحر واحد لن يمس أحدهما بالآخر وقال الزجاج: البرزخ الحاجز فهما من دموع العين مختلطان وفي قدرة الله منفصلان وقيل بينهما برزخ أي جزيرة العرب، وقيل بحر السماء والأرض كقوله تعالى { { فَفَتَحْنَآ أَبْوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } [القمر: 11، 12] وبينهما برزخ الهواء والأرض وسكان الأرض ثم قال { فَبِأَىِّ ءالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } يعني خلق البحرين لمنفعة الخلق وبين لكم العبرة وقدرته ولطفه لتعتبروا به وتوحدوه فكيف تنكرون هذه النعمة بأنها ليست من الله تعالى ثم قال { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ } يعني من بحر مالح اللؤلؤ { وَالمَرْجَانُ } ما صغر منه ويقال اللؤلؤ يعني الصغار والمرجان يعني العظام.

وقرأ نافع وأبو عمرو يُخْرَج بضم الياء ونصب الراء على فعل ما لم يسم فاعله وقرأ الباقون بنصب الياء وضم الراء، وقرأ بعضهم بكسر الراء يعني يخرج الله تعالى ونصب اللؤلؤ والمرجان لأنه مفعول به. ثم قال { فَبِأَىِّ ءالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } يعني خلق في البحر اللؤلؤ لمنفعة الخلق ولصلاحهم ولكي تعتبروا به فكيف تنكرون هذه النعمة ثم قال عز وجل { وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِي ٱلْبَحْرِ } يعني السفن التي تجري في الماء { كَٱلأَعْلاَمِ } يعني كالجبال فشبه السفن في البحر بالجبال في البر وقرأ حمزة المنشئات بكسر الشين والباقون بالنصب فمن قرأ بالكسر يعني المبتدئات في السير ثم قال { فَبِأَىِّ ءالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } أنه جعل السفن في البحر لمنفعة الخلق فكيف تنكرون هذه النعمة بأنها ليست من الله تعالى ثم قال عز وجل { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } يعني كل شيء على وجه الأرض يفنى { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ } يعني ذو الملك والعظمة والإكرام { ذُو ٱلْجَلْـٰلِ وَٱلإكْرَامِ } يعني ذو الملك والعظمة والإكرام يعني ذو الكرم والتجاوز فلما نزلت هذه الآية قالت الملائكة هلكت بنو آدم فلما نزل { { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ } [آل عمران: 185] أيقنوا بهلاك أنفسهم وهذا من النعم لأنه يحذرهم وبين لهم ليتهيؤوا لذلك ثم قال { فَبِأَىِّ ءالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ومعناه إن الله تعالى يعينكم فتوكلوا عليه ولا تعتمدوا على الناس لأنهم لا يقدرون على دفع الهلاك عن أنفسهم والله هو الباقي بعد فناء الخلق وهو الذي يتجاوز عنكم ويعينكم فكيف تنكرون ربكم الذي خلقكم وأحسن إليكم، قوله تعالى { يَسْأَلُهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } يعني الملائكة يسألون لأهل الأرض المغفرة ويسأل أهل الأرض جميع حوائجهم من الله تعالى ثم قال: { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ } يعني في كل يوم يُعز ويذل، ويحيي ويميت، ويعطي ويمنع، وذلك أن اليهود قالوا إن الله لا يقضي يوم السبت شيئاً فنزل { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ } فأخبر الله تعالى أنه يقضي في جميع الأيام وكان هذا من النعم، وذكر أن الحجاج بن يوسف الثقفي أرسل إلى محمد بن الحنفية يتوعده قال لأفعلن بك كذا وكذا فأرسل إليه محمد بن الحنفية وقال إن الله تعالى ينظر في كل يوم ثلاث مائة وستين نظرة إلى اللوح المحفوظ وكل يوم يعز ويذل ويعطي ويمنع فأرجو أن يرزقني الله تعالى ببعض نظراته أن لا يجعل لك علي سلطان فكتب بها الحجاج إلى عبد الملك بن مروان فكتب عبد الملك بهذه الكلمات التي قالها محمد بن الحنفية ووضعها في خزانته فكتب إليه ملك الروم يتوعده في شيء فكتب إليه عبد الملك بتلك الكلمات التي قالها محمد بن الحنفية فكتب إليه صاحب الروم والله ما هذا من كنزك ولا من كنز أهل بيتك ولكنها من كنز أهل بيت النبوة.

ثم قال عز وجل { فَبِأَىِّ ءالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } يعني تجحدون نعمته وأنتم تسألون حوائجكم منه.

قوله عز وجل: { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلثَّقَلاَنِ } أي سنحفظ عليكم أعمالكم أيها الجن والإنس فنجازيكم بذلك، وروى جبير عن الضحاك في قوله سنفرغ لكم أيها الثقلان قال هذا وعيد من غير شغل إن الله تعالى لا يشغل بشيء وقال الزجاج الفارغ في اللغة على ضربين أحدهما الفراغ من الشغل والآخر القصد للشيء كما تقول سأفرغ لفلان أي سأجعل قصدي له.

قرأ حمزة والكسائي (سيفرغ لكم) بالياء والباقون بالنون وكلاهما يرجع إلى معنى واحد يعني سيحفظ الله عليكم أعمالكم ويحاسبكم بما تعملون. ثم قال { فَبِأَىِّ ءالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } يعني ما عملتم فإنه لا ينسى ولا يمنح ثوابه وينصفكم من ظلمكم فكيف تنكرون هذه النعم بأنها ليست من الله تعالى واعلموا أن هذه النعم كلها من الله فاشكروه فكيف تنكرون من هو يجازيكم بأعمالكم ولا يمنع ثواب حسناتكم وينصركم على أعدائكم فهذه النعم كلها من الله فاشكروه ووحدوه.