التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ
١٠
أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ
١١
فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
١٢
ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ
١٣
وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ
١٤
عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ
١٥
مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ
١٦
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ
١٧
بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ
١٨
لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ
١٩
وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ
٢٠
وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ
٢١
وَحُورٌ عِينٌ
٢٢
كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ
٢٣
جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٤
لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً
٢٥
إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً
٢٦
وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ
٢٧
فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ
٢٨
وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ
٢٩
وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ
٣٠
وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ
٣١
وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ
٣٢
لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ
٣٣
وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ
٣٤
إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً
٣٥
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً
٣٦
-الواقعة

بحر العلوم

قال عز وجل { وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ } يعني السابقين إلى الإيمان والجهاد والطاعات السابقون يعني هم السَّابِقُونَ إلى الجنة فذكر الأصناف - الثلاثة أحدها - أصحاب اليمين - الثاني أصحاب الشمال، والثالث السابقون ثم وصف كل صنف منهم بصفة فبدأ بصفة السابقين فقال { أُوْلَـئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } يعني المقربين عند الله في الدرجات { فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } يعني في جنات عدن. { ثُلَّةٌ مّنَ ٱلأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مّنَ ٱلآخِرِينَ } يعني إن السابقين تكون جماعة من الأولين يعني من أول هذه الأمة مثل الصحابة والتابعين وقليل من الآخرين يعني إن السابقين في آخر هذه الأمة يكون قليلاً وقال بعضهم ثلة من الأولين يعني جميعاً من الأمم الخالية وقليل من الآخرين يعني من هذه الأمة فحزن المسلمون بذلك حتى نزلت (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين) فطابت أنفسهم، والطريق الأول أصح وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "كلتا الثُّلَّتين من أمتي" ، وروي عن عبد الله بن يزيد قال - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أهل الجنة عشرون ومائة صنف هذه الأمة منها ثمانون صنفاً" ثم قال { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } يعني إن السابقين في الجنة على سرر منسوجة بالدر والياقوت وقال مجاهد موضونة بالذهب وقال القتبي موضونة أي منسوجة كأن بعضها أدخل في بعض أو نضد بعضها على بعض ومنه قيل للدرع (موضونة) ثم قال { مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَـٰبِلِينَ } يعني ناعمين على سرر متقابلين في الزيادة وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ متكئين عليها ناعمين وقال مجاهد متقابلين يعني لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض ثم قال عز وجل { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ } يعني في الخدمة { وِلْدٰنٌ مُّخَلَّدُونَ } يعني غلماناً خلدوا في الجنة، ويقال على سن واحد لا يتغيرون لأنهم خلقوا للبقاء و من خلق للبقاء لا يتغير، ويقال مخلدون يعني لا يكبرون ويقال هم أولاد الكفار لم يكن لهم ذنب يعذبون ولا طاعة يثابون فيكونون خداماً لأهل الجنة قوله تعالى { بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ } هي التي لها عرى ثم قال { وَكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ } يعني خمراً بيضاء من نهر جار { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } يعني لا يصدع رؤوسهم بشرب الخمر في الآخرة { وَلاَ يُنزِفُونَ } يعني لا تذهب عقولهم ولا ينفد شرابهم ثم قال { وَفَـٰكِهَةٍ مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } يعني ما يتمنون ويختارون من ألوان الفاكهة { وَلَحْمِ طَيْرٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ } يعني إن شاء شوياً وإن شاء مطبوخاً ثم قال عز وجل { وَحُورٌ عِينٌ } قرأ حمزة والكسائي وحور عين بالكسر عطفاً على قوله { بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ } والباقون وحور عين بالضم ومعناها ولهم حور عين - والحور البيض والعين الحسان الأعين { كَأَمْثَـٰلِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } يعني اللؤلؤ الذي في الصدف لم تمسه الأيدي ولم تره الأعين { جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يعني هذه الجنة مع هذه الكرامات ثواباً لأعمالهم ثم قال { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } يعني في الجنة حلفاً وكذباً { وَلاَ تَأْثِيماً } يعني كلاماً فيها عند الشرب كما يكون في الدنيا ويقال ولا تأثيماً يعني: ولا إثم عليهم فيما شربوا { إِلاَّ قِيلاً سَلَـٰماً سَلَـٰماً } يعني إلا قولاً وكلاماً يسلم بعضهم على بعض ويبعث الله تعالى إليهم الملائكة بالسلام فهذا كله نعت السابقين.
ثم ذكر الصنف الثاني فقال { وَأَصْحَـٰبُ ٱلْيَمِينِ مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْيَمِينِ } يعني ما لأصحاب اليمين من الخير والكرامة على وجه التعجب ثم وصف حالهم فقال { فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } يعني لا شوك له كالدر الذي يكون في الدنيا وقال قتادة (في سدر مخضود) يعني كثير الحمل أي ليس له شوك، وقال القتبي كأنه نضد شوكه يعني قطع، وروي في الخبر أنه لما نزل ذكر السدر قال أهل الطائف إنها سِدْرنا هذا فنزل مخضود يعني موقر بلا شوك ثم قال: { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } وقال مقاتل يعني الموز المتراكم بعضه على بعض وقال قتادة هو الموز وهذا روي عن ابن عباس والمنضود الذي نضد بالحمل من أوله إلى آخره ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ (وطلع منضود) كقوله تعالى { طَلْعٌ نَّضِيدٌ } كقوله تعالى { وَظِلّ مَّمْدُودٍ } يعني دائماً لا يزول، وروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها اقرؤوا إن شئتم (وظل ممدود) ثم قال { وَمَاء مَّسْكُوبٍ } يعني منصباً كثيراً ويقال يعني منصباً من ساق العرش { وَفَـٰكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } يعني ألوان الفاكهة كثيرة { لاَّ مَقْطُوعَةٍ } يعني لا مقطوعة يعني لا ينقطع عنهم في حين كما يكون في فواكه الدنيا بل توجد في جميع الأوقات { وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } يعني لا يمنع منهم والممنوعة أن ينظر إليها ولا يقدر أن يأكلها. كأشجار الدنيا { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } بعضها فوق بعض مرتفعة ثم قال عز وجل: { إِنَّا أَنشَأْنَـٰهُنَّ إِنشَاءً } يعني الجواري والزوجات، يقال نساء الدنيا خلقناهن خلقاً بعد خلق الدنيا، ويقال إنهن أفضل وأحسن من حور الجنة لأنهن عملن في الدنيا والحور لم يعملن، وعن أنس بن مالك قال قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { إِنَّا أَنشَأْنَـٰهُنَّ إِنشَاء } قال:
"إن من المنشآت التي كن في الدنيا عجايز عمشاً رمصاً زمناً" ثم قال { فَجَعَلْنَـٰهُنَّ أَبْكَـٰراً } يعني خلقناهن أبكاراً عذارى