التفاسير

< >
عرض

فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ
٧٤
فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ
٧٥
وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ
٧٦
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ
٧٧
فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ
٧٨
لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ
٧٩
تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٨٠
أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ
٨١
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ
٨٢
فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ
٨٣
وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ
٨٤
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ
٨٥
فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ
٨٦
تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٨٧
فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ
٨٨
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ
٨٩
وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ
٩٠
فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ
٩١
وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ
٩٢
فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ
٩٣
وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ
٩٤
إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ
٩٥
فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ
٩٦
-الواقعة

بحر العلوم

قال عز وجل { فَسَبّحْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلْعَظِيمِ } يعني اذكر التوحيد باسم ربك يا محمد - صلى الله عليه وسلم - الرب العظيم، ويقال صل بأمر ربك ويقال سبح لله واذكره قوله عز وجل { فَلاَ أُقْسِمُ } قال بعضهم يعني أقسم و (لا) زيادة في الكلام وقال بعضهم "لا" رد لقول الكفار ثم قال { بِمَوٰقِعِ ٱلنُّجُومِ } يعني بنزول القرآن نزل نجوماً آية بعد آية. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال (مواقع النجوم) يعني بحكم القرآن { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } يعني القسم بالقرآن عظيم لو تعلمون ذلك ويقال لو تعلمون يعني لو تصدقون ذلك قرأ حمزة والكسائي (بموقع النجوم) بغير ألف وقرأ الباقون بمواقع النجوم بلفظ الجماعة فمن قرأ بموقع فهو واحد دل على الجماعة ويقال بمواقع النجوم يعني بمساقط النجوم يعني الكواكب - ثم قال عز وجل { إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ } يعني الذي يقرأ عليك يا محمد لقرآن شريف كريم على ربه { فِى كِتَـٰبٍ مَّكْنُونٍ } يعني مستور من خلق الله وهو اللوح المحفوظ { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } يعني اللوح المحفوظ ويقال لا تمسه إلا الملائكة المطهرون من الذنب ولا يقرؤه إلا الطاهرون، ويقال لا يمس المصحف إلا الطاهر وروى معمر عن محمد بن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب كتاباً فيه "لا يمس القرآن إلا على طهور" وروى إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال "كنا مع سلمان فخرج يقضي حاجته ثم جاء فقلنا يا عبد الله لو توضأت لعلنا نسألك عن آيات الله فقال إني لست أمسه لأنه لا يمسه إلا المطهرون فقرأ علينا ما نسينا، يعني يجوز للمحدث أن يقرأ ولا يجوز أن يمس المصحف، وأما الجنب لا يجوز له أن يمس المصحف ولا يقرأ آية تامة. ثم قال { تَنزِيلٌ مّن رَّبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } يعني أنزل الله تعالى جبريل عليه السلام على محمد - صلى الله عليه وسلم - بهذا القرآن يقرأه عليه من رب العالمين ثم قال عز وجل { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } يعني تكفرون وقال الزجاج المدهن والمداهن الكذاب المنافق. وقال بعض أهل اللغة أصله من الدهن لأنه يلين في دينه يعني ينافق ويرى كل واحد أنه على دينه ويقال (أنتم مدهنون) يعني مكذبون { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ } يعني شكر رِزْقكُمْ { أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ } يعني تقولون للمطر إذا مطرتم مُطِرْنا بنوء كذا وروي عن عاصم في بعض الروايات أنكم تكذبون بالتخفيف يعني تجعلون شكر رزقكم الكذب وهو أن يقولوا مُطِرنا بنوء كذا وقرأ الباقون تكذبون بالتشديد يعني تجعلون شكر رزقكم التكذيب ولا تنسبون السقيا إلى الله تعالى الذي رزقكم ثم قال { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } يعني بلغ الروح الحلقوم { وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } إلى الميت { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ } يعني أمر الله تعالى وهو ملك الموت أقرب إليه منكم حين أتاه لقبض روحه { وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } ما حضر الميت { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } يعني غير محاسبين، ويقال غير مملوكين أذلاء عن قولك دِنْتُ له بالطاعة وإنما سمي (يوم الدين) لأنه يوم الإذلال والهوان ويقال (غير مدينين) يعني غير مجزيين { تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } يعني إنكم غير محاسبين فهلا رددتم عنه الموت. ثم ذكر الأصناف الثلاثة الذين ذكرهم في أول السورة فقال { فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } يعني إذا كان هذا الميت من المقربين عند الله من السابقين { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ } قرأ الحسن (فُرُوْحٌ) بضم الراء المهملة وقراءة العامة بالنصب وقال أبو عبيد لولا خلاف الأمة لقرأته بالضم، وروت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ بالضم، وقال القتبي الروح يعبر عن معان فالروح روح الأجسام الذي يقبض عند الممات وفيه حياة النفس، والروح جبريل. وكلام الله روح لأنه حياة من الجهل وموت الكفر ورحمة الله روح كقوله { { وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ } [المجادلة: 22] أي برحمة والروح الرحمة والرزق ويقال الروح حياة دائمة لا موت فيها (والريحان) الرزق، ويقال هي النبات بعينها ومن قرأ بالنصب فهو الفرح ويقال الراحة، ويقال هي الرحمة ثم قال { وَجَنَّةُ نَعِيمٍ } يعني لا انقطاع { وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ } يعني إن كان الميت من أصحاب اليمين { فَسَلَـٰمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ } يعني سلام الله لهم ويقال يسلمون عليك من الجنة، ويقال سلام عليك منهم، ويقال ترى منهم ما تحب من السلام، ويقال (فسلام لك) يعني يقال له ثوابه عند الموت وفي القبر وعلى الصراط وعند الميزان بشارة لك، إنك من أهل الجنة ثم قال عز وجل { وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذّبِينَ } يعني إن كان الميت (من المكذبين) بالبعث { ٱلضَّالّينَ } عن الهدى. { فَنُزُلٌ مّنْ حَمِيمٍ } يعني جزاؤهم وثوابهم من حميم { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } يعني يدخلون الجحيم وهي ما عظم من النار { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } يعني إن هذا الذي قصصنا عليك في هذه السورة من الأقاصيص وما أعد الله لأوليائه وأعدائه وما ذكر مما يدل على وحدانيته لهو حق اليقين { فَسَبّحْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلْعَظِيمِ } يعني اذكر اسم ربك بالتوحيد ويقال نزه الله تعالى عن السوء يعني قل سبحان الله ويقال اثن على الله تعالى ويقال صل لله تعالى وروي عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) أنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "من قرأ سورة الواقعة في كل يوم لم تصبه فاقة" والله أعلم بالصواب.