التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
١٦
ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
١٧
إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ
١٨
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ
١٩
-الحديد

بحر العلوم

قوله تعالى: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } يعني: ألم يجىء وقت تخاف قلوبهم فترق قلوبهم يقال أنا يأْني إناءاً إذا حان وجاء وقته وأوانه قال الفقيه حدثنا الخليل بن أحمد ثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم الدبيلي قال حدثنا أبو عبيد الله قال ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن عبد الله عن القاسم قال - ملَّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملة فقالوا حدِّثنا يا رسول الله فأنزل الله تعالى: { ٱلَّذِى نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَـٰباً مُّتَشَـٰبِهاً } ثم ملوا ملَّة أخرى فقالوا حدثنا يا رسول الله فأنزل الله تعالى: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ }، ويقال إن المسلمين قالوا لسلمان الفارسي حدثنا عن التوراة فإن فيها عجائب فنزل { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } فكفوا عن السؤال ثم سألوه عن ذلك فنزلت هذه الآية { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } يعني: ترق قلوبهم لذكر الله. { وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقّ } يعني: القرآن بذكر الحلال والحرام قرأ نافع وعاصم في رواية حفص وما نَزّل - بالتخفيف والباقون بالتشديد على معنى التكثير والمبالغة ثم وعظهم فقال: { وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلُ } يعني: ولا تكونوا في القسوة كاليهود والنصارى من قبل خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ } يعني: الأجل ويقال خروج النبي عليه السلام { فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } يعني: جفّت ويبست قلوبهم عن الإيمان فلم يؤمنوا بالقرآن إلا قليل منهم { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ } يعني: عاصون، ويقال (أَلم يأن للذين آمنوا) يعني: المنافقين الذين آمنوا بلسانهم دون قلوبهم. وقال أبو الدرداء استعيذوا بالله من خشوع النفاق قيل وما خشوع النفاق؟ قال أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع.
قوله تعالى: { ٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْييِ ٱلأَرْضَ } يعني: يصلح الأرض فاعتبروا بذلك { بَعْدَ مَوْتِهَا } يعني: بعد يبسها وقحطها فكذلك يحيي القلوب بالقرآن ويصلح بعد قساوتها حتى تلين كما أحيا الأرض كذلك بعد موتها بالمطر. { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَـٰتِ } يعني: العلامات في القرآن { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } يعني: لكي تعقلوا أمر البعث كذلك إنكم أيضاً تبعثون قوله تعالى: { إِنَّ ٱلْمُصَّدّقِينَ وَٱلْمُصَّدّقَـٰتِ } قرأ ابن كثير وعاصم رواية أبي بكر (إن المصدقين والمصدقات) كليهما بالتخفيف والباقون بالتشديد فمن قرأ بالتخفيف فمعناه إن المؤمنين من الرجال والمؤمنات من النساء فمن صدق الله ورسوله ورضي بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن قرأ بالتشديد يعني: المتصدقين من الرجال والمتصدقات من النساء فأدغمت التاء في الصاد وشددت { وَأَقْرِضُواُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } يعني: يتصدقون محتسبين بطبيعة أنفسهم صادقين من قلوبهم { يُضَاعَفُ لَهُمُ } الحسنات والثواب بكل واحد عشرة إلى سبعمائة إلى ما لا يحصى { وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } يعني: ثواباً حسناً في الجنة ثم قال عز وجل: { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } يعني: صدّقوا بتوحيد الله وصدقوا بجميع الرسل { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلصّدّيقُونَ } والصديق اسم المبالغة في الفعل يقال رجل صديق كثير الصدق وقال ابن عباس رضي الله عنه فمن آمن بالله ورسله فهو من الصديقين ثم قال. { وَٱلشُّهَدَاءُ عِندَ رَبّهِمْ } قال مقاتل هذا استئناف فقال (الشهداء) يعني: من استشهد عند ربهم يعني: يطلب شهادة على الأمم { لَهُمْ أَجْرُهُمْ } يعني: ثوابهم { وَنُورُهُمْ } ويقال هذا بناء على الأول يعني: (أولـئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم) يشهدون للرسل بتبليغ الرسالة ويقال معناه (أولـئك هم الصديقون) (وأولئك هم الشهداء) عند ربهم، ويكون لهم أجرهم ونورهم، قال مجاهد كل مؤمن صديق شهيد ثم وصف حال الكفار فقال عز وجل: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني: بوحدانية الله تعالى { وَكَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } يعني: جحدوا بالقرآن { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَحِيمِ }.