التفاسير

< >
عرض

ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ
٢٠
سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
٢١
مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ
٢٢
لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
٢٣
-الحديد

بحر العلوم

قال عز وجل: { ٱعْلَمُواْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } يعني: باطلاً ولهواً يعني: فرحاً يلهون فيها { وَزِينَةٌ } يعني: زينة الدنيا { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } عن الحسب { وَتَكَاثُرٌ فِى ٱلأَمْوٰلِ وَٱلأَوْلْـٰدِ } تفتخرون بذلك، وروى إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قَام في ظل شجرة في يوم صائف ثم راح وتركها" ثم ضرب للدنيا مثلاً آخر فقال { كَمَثَلِ غَيْثٍ } يعني: كمثل مطر نزل من السماء فينبت به الزرع والنبات { أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ } يعني: فرح الزارع بنباته، ويقال أعجب الكفار يعني: الكفار بالله لأنهم أشد إِعْجاباً بزينة الدنيا من المؤمنين ويقال الكفار كناية عن الزراع لأن الكَفْر في اللغة هو التغطية، ولهذا سمي الكافر كافراً لأنه يغطي الحق بالباطل فسمي الزراع كفاراً لأنهم يغطون الحب تحت الأرض وليس ذلك الكفر الذي هو ضد الإيمان، والطريقة الأولى أحسن إن أراد به الكفار لأن ميلهم إلى الدنيا أشد { ثُمَّ يَهِـيجُ } يعني: ييبس فيتغير { فَـتَرَاهُ مُصْفَـرّاً } بعد خضرته { ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً } يعني: يابساً ويقال حطاماً يعني: هالكاً فشبه الدنيا بذلك لأنه لا يبقى ما فيها كما لا يبقى هذا النبت { وَفِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ } لمن افتخر بالدنيا واختارها { وَمَغْفِرَةٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوٰنٌ } لمن ترك الدنيا واختار الآخرة على الدنيا ويقال عذاب شديد لأعدائه ومغفرة من الله لأوليائه ثم قال: { وَما ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ } يعني: كمتاع الغرور يعني: كالمتاع الذي يتخذ من الزجاج والخزف يسرع إلى الفناء ولا يبقى ثم قال عز وجل: { سَابِقُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ } يعني: سارعوا بالأعمال الصالحة، ويقال بادروا بالتوبة، وقال مكحول سابقوا إلى تكبيرة الافتتاح { وَجَنَّةٍ } يعني: إلى جنة { عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضِ } يعني: لو ألصقت بعضها على بعض يعني: سبع سماوات وسبع أراضين ومدت مد الأديم لكان عرض الجنة أوسع من ذلك وإنما بين عرضها ولم يبين طولها ويقال لو جعلت السموات والأرض لكانت الجنة بعد ذلك هذا مثل يعني إنها أوسع شيء رأيتموه. { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } يعني: خلقت وهيئت للذين صدقوا بوحدانية الله تعالى وصدقوا برسله { ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ } يعني: ذلك الثواب فضل الله على العباد { يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ } يعني: يعطيه من يشاء من عباده وهم المؤمنون { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } يعني: ذو العطاء العظيم وذو المَنّ الجسيم قوله تعالى: { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى ٱلأَرْضِ وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ } يعني: من قحط المطر وغلاء السعر وقلة النبات ونقص الثمار ولا في أنفسكم من البلايا والأمراض والأوجاع { إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ } يعني: إلا في اللوح المحفوظ { مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا } يعني: من قبل أن نخلق تلك النسمة، وذكر الربيع بن أبي صالح الأسلمي قال دخلت على سعيد بن جبير حين جيء به إلى الحَجَّاج أراد قتله فبكى رجل من قومه فقال سعيد ما يبكيك قال لما أصابك من مصيبة قال فلا تبك قد كان في علم الله تعالى أن يكون هذا ألم تسمع قول الله تعالى (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) يعني: من قبل أن نخلقها. ويقال قبل أن نخلق تلك النفس { إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } يعني: هيناً { لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } يعني: لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الرزق والعافية إذا علمتم أنها مكتوبة عليكم قبل خلقكم { وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتَـٰكُمْ } يعني: بما أعطاكم في الدنيا ولا تفتخروا بذلك. { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } يعني: متكبراً فخوراً بنعم الله تعالى ولا يشكروه قرأ أبو عمرو بما أتاكم بغير مد والباقون بالمد فمن قرأ بغير مد فمعناه لكيلا تفرحوا بما جاءكم من حطام الدنيا فإنه إلى نفاذ ومن قرأ بالمد بما أعطاكم وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ليس أحد إلا وهو يحزن ويفرح ولكن المؤمن من جعل الفرح والمصيبة صَبْراً.