التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ
٢٤
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
٢٥
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
٢٦
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
٢٧
-الحديد

بحر العلوم

قال عز وجل: { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } يعني: لا يحب الذين يبخلون يعني يمسكون أموالهم ولا يخرجون منها حق الله تعالى: { وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } ويقال الذين يبخلون يعني يكتمون صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - ويأمرون الناس بالبخل يعني: يكتمون صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ونعته { وَمَن يَتَوَلَّ } يعني: يعرض عن النفقة، ويقال يعرض عن الإيمان { فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ } يعني: غنيٌّ عن نفقتهم وعن إيمانهم (الحميد) في فعاله قرأ حمزة والكسائي ويأمرون الناس بالبخل بنصب الخاء والباء وقرأ الباقون بضم الباء وإسكان الخاء ومعناهما واحد. قرأ نافع وابن عامر فإن الله الغني الحميد الذي لا غني مثله والباقون (فإن الله هو الغني الحميد) بإثبات هو ثم قال: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيّنَـٰتِ } يعني: بالأمر والنهي والحلال والحرام { وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } يعني: أنزلنا عليهم الكتاب ليعلموا أمتهم { وَٱلْمِيزَانَ } يعني: العدل ويقال هو الميزان بعينه أنزل على عهد نوح عليه السلام. { لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } يعني: لكي يقوم الناس بالقسط يعني: بالعدل { وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ } يعني وجعلنا الحديد { فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } يعني فيه قوة شديدة في الحرب وعن عكرمة أنه قال (وأنزلنا الحديد) يعني: أنزل الله تعالى الحديد لآدم عليه السلام العلاة والمطرقة والكلبتين فيه بأس شديد ثم قال عز وجل: { وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ } يعني: في الحديد منافع للناس مثل السكين والفأس والإبرة يعني: من معايشهم { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } يعني: ولكن يعلم الله من ينصره على عدوه. { وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ } بقتل أعدائه كقوله { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } ويقال لكي يرى الله من استعمل هذا السلاح في طاعة الله تعالى وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالغيب يعني: يصدق بالقلب { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ } في أمره { عَزِيزٌ } في ملكه ثم قال عز وجل: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرٰهِيمَ } يعني: بعثناهما إلى قومهما { وَجَعَلْنَا فِى ذُرّيَّتِهِمَا } يعني: في نسليهما { ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَـٰبَ } وكان فيهم الأنبياء مثل موسى وهارون وداود ويونس وسليمان وصالح ونوح وإبراهيم عليهم السلام { فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ } يعني: كثير من ذريتهم تاركون للكتاب. قوله عز وجل: { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ ءاثَـٰرِهِم } يعني: وصلنا وأَتْبَعْنَا على آثارهم { بِرُسُلِنَا } واحداً بعد واحد { وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } يعني: وأرسلنا على آثارهم بعيسى بن مريم { وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ } يعني: أعطيناه الأنجيل { وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ } يعني: الذين آمنوا به وصدقوه واتبعوا دينه { رَأْفَةً وَرَحْمَةً } يعني: المودة والمتوادين الذين يود بعضهم بعضاً، ويقال الرأفة على أهل دينهم يرحم بعضهم بعضاً وهم الذين كانوا على دين عيسى لم يتهوَّدوا ولم يتنصروا ثم استأنف الكلام فقال { وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا } يعني: ابتدعوا رهبانية { مَا كَتَبْنَـٰهَا عَلَيْهِمْ } يعني: لم تكتب عليهم الرهبانية { إِلاَّ ٱبْتِغَاءَ رِضْوٰنِ ٱللَّهِ } وذلك أنه لما كثر المشركون خرج المسلمون منهم فهربوا واعتزلوا في الغيران واتبعوا الصوامع فطال عليهم الأمد ورجع بعضهم عن دين عيسى ابن مريم وابتدعوا النصرانية قال الله تعالى ابتدعوها يعني الرهبانية والخروج إلى الصوامع والتبتل للعبادة ما كتبناها عليهم يعني ما أوجبنا عليهم ولم نأمرهم إلا ابتغاء رضوان الله يعني أمرناهم بما يرضي الله تعالى لا غير ذلك ويقال ابتدعوها لطلب رضى الله تعالى { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } يعني: لم يحافظوا على ما أوجبوا على أنفسهم، ويقال فما أطاعوا الله حين تهودوا وتنصَّروا قال الله تعالى: { فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ } في الآخرة { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } يعني: عاصين وهم الذين تهودوا وفي هذه الآية دليل وتنبيه للمؤمنين أن من أوجب على نفسه شيئاً لم يكن واجباً عليه أن يتبعه ولا يتركه فيستحق اسم الفسق وروي عن بعض الصحابة أنه قال عليكم بإتمام هذه التراويح لأنها لم تكن واجبة عليكم فقد أوجبتموها على أنفسكم فإنكم إن تركتموها صرتم فاسقين ثم قرأ هذه الآية (وكثير منهم فاسقون).