التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١١
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٢
ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
١٣
-المجادلة

بحر العلوم

قال عز وجل { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى ٱلْمَجَـٰلِسِ } قرأ عاصم في المجالس بلفظ الجمع والباقون في المجلس يعني في مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - . نزلت في ثابت بن قيس وكان في أذنيه شيء من الثقل فحضر مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أخذوا مجالسهم فبقي قائماً فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "رحم الله من وسع لأخيه" فنزلت الآية وروى معمر عن قتادة أنه قال كان الناس يتنافسون في مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل لهم إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس { فَٱفْسَحُواْ } يعني وسعوا المجلس { يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ } يعني إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا وروى معمر عن الحسن قال هذا في الغزاة، وقال مجاهد تفسحوا في المجلس يعني مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة وإذا قيل انشزوا إلى كل خير وقتال عدو وأمر بالمعروف وروي عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "لا يقيم الرجل الرجل في مجلسه ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا" . قرأ نافع وابن عامر وعاصم في إحدى الروايتين انشزوا بالضم للشين والباقون بالكسر وهما لغتان يقال نشز ينشز يعني إذ قيل لكم انهضوا يعني قوموا لا تتثاقلوا، ويقال انشزوا يعني قوموا للصلاة وقضاء حق أو شهادة فانشزوا يعني انهضوا ثم قال { يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍ } يعني من كان له إيمان وعلم وكان له فضائل على الذين يقومون وليس بعالم. قال الضحاك (يرفع الله الذين آمنوا منكم) وقد تم الكلام ثم قال { وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍ } يعني لأهل العلم درجات أي الذين أوتوا العلم في الدنيا ولهم درجات في العقبى قال وللعلماء مثل درجة الشهداء وقال مقاتل إذا انتهى المؤمن إلى باب الجنة يقال للمؤمن الذي ليس بعالم أدخل الجنة بعملك ويقال للعالم أقم على باب الجنة واشفع للناس وقال ابن مسعود يرفع الله الَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ على الذين آمنوا منكم ولم يؤتوا العلم درجات ثم قال { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } من التفسح في المجلس وغيره قوله تعالى { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نَـٰجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ } يعني إذا كلمتم الرسول سراً { فَقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوٰكُمْ صَدَقَةً } يعني تصدقوا قبل كلامكم بصدقة { ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ } يعني التصدق خير لكم من إمساكه { وَأَطْهَرُ } لقلوبكم وأزكى من المعصية { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ } ما تتصدقون { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لِمَنْ لم يجد الصدقة وذلك أن الأغنياء كانوا يكثرون مناجاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يمكنوا الفقراء من سماع كلامه وكان يكره طول مجالستهم وكثرة نجواهم فأمرهم الله تعالى بالصدقة عند المناجاة فانتهوا عن ذلك فقدرت الفقراء على سماع كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ومجالسته وقال مجاهد نُهوا عن مناجاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يتصدقوا فلم يناجه إِلاَّ عَليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه قدم ديناراً تصدق به وكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - في عشر كلمات ثم أنزلت الرخصة بالآية التي بعدها وهو قوله { ءَأَشْفَقْتُمْ } يعني أبخلتم يا أهل الميسرة { أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نَجْوٰكُمْ صَدَقَـٰتٍ } فلو فعلتم كان خيراً لكم { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ } وتكرهوا ذلك فإن الله تعالى غني عن صدقاتكم { وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } يعني تجاوز عنكم { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } فَنَسَخَت الزكاةُ الصدقة التي عند المناجاة { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } فيما يأمركم به وينهاكم عنه { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } من الخير والشر والتصدق والنجوى.