التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ
٢
وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
٣
فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٤
-المجادلة

بحر العلوم

قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ مِنكُمْ مّن نّسَائِهِمْ } قرأ عاصم يظاهرون بضم الياء وكسر الهاء والتخفيف من ظاهر يظاهر، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو يظهرون بنصب الياء مع التشديد وهو في الأصل يتظهرون فأدغمت التاء في الظاء والمعنى في هذا كله واحد يقال ظاهر من امرأته وتظهَّر منها وأظهر منها إذا قال لها أنت علي كظهر أمي ثم قال { مَّا هُنَّ أُمَّهَـٰتِهِمْ } وروى الفضل عن عاصم أمهاتُهم بضم التاء لأنه خبر ما كقولك ما زيد عالم، وقرأ الباقون بالكسر لأن التاء في موضع النصب فصار خفضاً لأنها تاء الجماعة وهي لغة أهل الحجاز فينصبون خبر "ما" كقوله ما هذا بشراً ما هن كأمهاتهم في الحرمة { إِنْ أُمَّهَـٰتِهِمْ } يعني ما أمهاتهم { إِلاَّ ٱللاَّئِى وَلَدْنَهُمْ } يعني الأم التي ولدته والأم التي أرضعته لأنه قال في موضع آخر { { وَأُمَّهَـٰتُكُمُ الْلاَّتِى أَرْضَعْنَكُمْ } [النساء:23] ثم قال: { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً } يعني قولاً منكراً وكذباً { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } يعني ذو تجاوز (غفور) حيث جعل الكفارة لرفع الحرمة، ولم يجعل فرقة بينهما ثم قال { وَٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ مِن نّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } يعني يعودون لنقض ما قالوا ولرفع ما قالوا في الجاهلية { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } يعني فعليه تحرير رقبة ويقال (ثم يعودون لما قالوا) فيه تقديم وتأخير يعني (ثم يعودون فتحرير رقبة لما قالوا). ويقال معناه ثم يعودون لما قالوا في الجاهلية وذلك أنهم كانوا يتكلمون بهذا القول فيرجعون إلى ذلك القول بعد الإسلام وقال بعضهم لا تجب الكفارة حتى يقول مرتين لأنه قال ثم يعودون لما قالوا يعني يعودون مرة أخرى (فتحرير رقبة) هذا القول خلاف جميع أهل العلم وإنما تجب الكفارة إذا قال مرة واحدة.
والكفارة ما قال الله تعالى
{ { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } [النساء:92] يعني عتق رقبة { مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا } يعني من قبل أَن يجامعها، ويقال من قبل أن يمس كل واحد منهما صاحبه { ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ } يعني هذا الحكم الذي تؤمرون به { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } من الوفاء وغيره وقوله تعالى { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } يعني من لم يجد الرقبة { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } يعني فعليه صيام شهرين متتابعين لا يفصل بينهما. { مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا } يعني من قبل أن يمس كل واحد منهما صاحبه.
وفي الآية دليل أن المرأة لا يسعها أن تدع الزوج يقربها قبل الكفارة لأنه نهاهما جميعاً عن المسيس قبل الكفارة واتفقوا على أنه إذا أفطر في شهرين يوماً بغير عذر عليه أن يستقبل واختلفوا فيمن أفطر لمرض أو عذر أو غيره قال عطاء إذا أفطر من مرض فالله أعذره بالعذر يبدله ولا يستأنف، وقال طاووس يقضي ولا يستأنف، وهكذا قال سعيد بن المسيب فهؤلاء كلهم قالوا لا يستقبل وقال إبراهيم النخعي والزهري والشعبي يستقبل وهكذا قال عطاء الخراساني والحكم بن كيسان وبه قال أبو حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم ثم قال: { فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ } الصيام { فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِيناً } يعني فعليه في قول أهل المدينة لكل مسكين صاع من الحنطة أو التمر وفي قول أهل العراق منوان من حنطة أو صاع من تمر بدليل ما روى سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر البياض قال: كنت أصيب من النساء ما لا يصيب غيري فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من أهلي فتظاهرت من أهلي حتى ينسلخ الشهر فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ انكشف لي منها شيء فواقعتها فلما أصبحت أخبرت قومي فقلت اذهبوا معي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما نذهب وما نأمن أن ينزل فيك قرآن فاتيته فأخبرته. فقال
"حرِّر رقبة فقلت ما أملك إلا رقبتي قال فصم شهرين قلت وهل أصابني إلا من قبل الصيام قال فأطعم وسقا من تمر ستين مسكيناً قلت والذي بعثك بالحق نبياً لقريش ما لنا طعام ثم قال انطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك" فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السعة وحسن الرأي وقد أمر لي بصدقتكم فقد بين في هذا الخبر أنه يجب وسقا من تمر والوسق ستون صاعاً بالاتفاق ثم قال { ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ } يعني لتصدقوا بوحدانية الله تعالى { وَرَسُولِهِ } يعني وتصدقوا برسوله { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } يعني هذه فرائض الله وأحكامه { وَلِلكَـٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يعني الذين لا يؤمنون بالله وبرسوله وروي عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت تبارك الذي وسع سمعه الأصوات كلها إن المرأة لتناجي النبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع بعض كلامها ويخفى عليه بعضه إذ أنزل الله تعالى (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) وهكذا قال الأعمش.