التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ
٥
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
٦
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٧
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
٨
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٩
إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١٠
-المجادلة

بحر العلوم

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَادُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } يعني يعادون ويشاقون الله ورسوله ويقال يشاقون أولياء الله ورسوله يعني الذين يشاقون أولياء الله لأن أحداً لا يعادي الله ولكن من عادى أولياء الله فقد عادى الله تعالى ثم قال { كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } قال مقاتل أخذوا كما أخذ الذين من قبلهم من الأمر ويقال عذبوا كما عذب الذين من قبلهم وقال أبو عبيد أهلكوا، ويقال غيظوا كما غيظ الذين من قبلهم، والكبت هو الغيظ ويقال أحزنوا وقال الزجاج أذلوا وغلبوا { وَقَدْ أَنزَلْنَا ءايَـٰتٍ بَيّنَـٰتٍ } يعني القرآن فيه بيان أمره ونهيه، ويقال آيات واضحات { وَلِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } يهانون فيه ثم قال { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهِ جَمِيعاً } الأولين والآخرين يبعثهم الله من قبورهم { فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ } من خير أو شر ليعلموا وجوب الحجة عليهم { أَحْصَـٰهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ } يعني حفظ الله عليهم أعمالهم وهم نسوا أعمالهم، ويقال ونسوه يعني وتركوا العمل في الدنيا { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء شَهِيدٍ } يعني شاهداً بأعمالهم. ثم قال { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ } يعني ألم تعلم، اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به التقرير يعني أنك تعلم ويقال معناه إني أعلمتك أن الله يعلم { مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } يعني سر أهل السَّماوات وسر أهل الأرض { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } يعني لا يتناجى ثلاثة فيما بينهم ولا يتكلمون فيما بينهم بكلام الشر إلا هو رابعهم لأنه يعلم ما يقولون فيما بينهم { وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ } يعني كان هو سادسهم لأنه يعلم ما يقولون فيما بينهم { وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ } يعني عالم بهم وبأحوالهم { أَيْنَمَا كَانُواْ } في الأرض { ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ } يعني يخبرهم بما عملوا يوم القيامة من خير أو شر.
وذلك أن نفراً كانوا يتناجون عند الكعبة قال بعضهم لبعض لا ترفعوا أصواتكم حتى لا يسمع رب محمد - صلى الله عليه وسلم - ويقال إن المنافقين واليهود كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين فامتنعوا من ذلك ثم عادوا إلى النجوى { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ } يعني عن قول السر فيما بينهم { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَـٰجَوْنَ بِٱلإثْمِ } يعني بالكذب { وَٱلْعُدْوَانِ } يعني بالجَوْرِ والظلم { وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ } يعني خلاف أمر الله وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - قرأ حمزة (وينْجونَ) والباقون (ويتناجون) وهما لغتان يقال تناجي القوم وانتجوا ثم قال { وَإِذَا جَاءوكَ حَيَّوْكَ } يعني إذا جاؤوك اليهود حيوك { بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ ٱللَّهُ } وذلك أنهم كانوا يقولون إذا دخلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السام عليكم فيقول وعليكم فقالت عائشة رضي الله عنها وعليكم السام لعنكم الله وغضب عليكم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -
"مهلاً يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش قالت أو لم تسمع ما قالوا؟ قال أو لم تسمعي ما رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيّ"
فقالت اليهود فيما بينهم لو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يقول لاستجيب دعاؤه علينا حيث قال عليكم فنزل { وَإِذَا جَاءوكَ حَيَّوْكَ } يعني سلموا عليك بما لم يحيك به الله يعني بما لم يأمرك به الله أن تحيي به ويقال بما لم يسلم عليك به الله { وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِمْ } يعني فيما بينهم { لَوْلاَ يُعَذّبُنَا ٱللَّهُ } يعني هلا يعذبنا الله { بِمَا نَقُولُ } لنبيه يقول الله تعالى { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ } يعني مصيرهم إلى جهنم { يَصْلَوْنَهَا } يعني يدخلونها { فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } ما صاروا إليه قوله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ } قال مقاتل يا أيها الذين آمنوا باللسان دون القلب إذا تناجيتم فيما بينكم { فَلاَ تَتَنَـٰجَوْاْ بِٱلإثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث سرية كان المنافقون يتناجون فيما بينهم ليحزنوا المؤمنين وهذا الخطاب للمخلصين في قول بعضهم لأن الله تعالى أمرهم أن لا يتناجوا بالإثم والعدوان كفعل المنافقين يعني بالعداوة والظلم. { وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ } يعني خلاف أمر الرسول أي لا تخالفوا أمره { وَتَنَـٰجَوْاْ بِٱلْبِرّ وَٱلتَّقْوَىٰ } يعني بالذي أمركم الله تعالى به بالطاعة والتقى يعني ترك المعصية ثم خوفهم فقال { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } يعني اخشوا الله فلا تتناجوا بمثل ما تتناجى اليهود والمنافقون { ٱلَّذِى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } بعد الموت فيجازيكم بأعمالكم ثم قال عز وجل { إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ } يعني نجوى المنافقين من تزيين الشيطان، قال قتادة إذا رأى المسلمون المنافقين جاؤوا متناجين فشق عليهم فنزل إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ يعني نجوى المنافقين في المعصية من الشيطان { لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } قرأ نافع (ليحزُن الذين آمنوا) بضم الزاء والباقون بالنصب ومعناهما واحد ثم قال { وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئاً } يعني ليس نجوى المنافقين يضر شيئاً للمؤمنين أي لا يضرهم { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } إلا أن يشاء الله ثم أمر المؤمنين بأن يتوكلوا على الله وهو قوله تعالى { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }