التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٦
مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٧
لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ
٨
وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٩
وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
١٠
-الحشر

بحر العلوم

قال عز وجل { وَمَا أَفَاءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } يعني ما أعطى الله ورسوله من بني النضير وذلك أنهم طلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقسم أموالهم بين جميع المسلمين كما قسم أموال بدر فلم يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقسم بين فقراء المهاجرين فنزل { وَمَا أَفَاءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } { مِنْهُمْ } يعني ما أعطى الله ورسوله من أموال بني النضير { فَمَا أَوْجَفْتُمْ } يعني ما أجريتم { عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ } يعني لا على خيل ولا على إبل أتيتم بل إنكم مشيتم مشياً حتى فتحتموها ويقال أوجف الفرس والبعير إذا أسرعا يعني لم يكن عن غزوة أوجفتم خيلاً ولا ركاباً { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلّطُ رُسُلَهُ } يعني محمداً - صلى الله عليه وسلم - { عَلَىٰ مَن يَشَاء } من بني النضير { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } من النصرة والغنيمة ثم بين لمن يعطي تلك الغنائم فقال { مَّا أَفَاءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } يعني من بني النضير وفدك ويقال بني قريظة والنضير وخيبر { فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } يعني لله أن يأمركم فيه بما أحب وروى عبد الرازق عن معمر عن الزهري قال كانت بنو النضير للنبي - صلى الله عليه وسلم - خالصاً لم يفتحوها عنوة ولكن افتتحوها على صلح فقسمها بين المهاجرين ثم قال { وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ } يعني قرابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - { وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } وروى مالك بن أنس عن عمر قال كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثلث صفايا بني النضير وخيبر وفدك فأما بنو النضير فكانت حبساً لنوائبه وأما فدك فكانت لابن السبيل وأما خيبر فجزأها ثلاثة أجزاء فقسم جزأين بين المسلمين وحبس جزءاً للنفقة فما فضل عن أهله رده إلى فقراء المسلمين ثم قال { كَى لاَ يَكُونَ } المال { دُولَةً } قرأ أبو جعفر المدني بالضم وجعله اسم يكون وقراءة العامة بالنصب يعني لكي لا يكون دولة وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي دولة بنصب الدال والباقون بالضم فمن قرأ بالضم فهو اسم المال الذي يتداول فيكون مرة لهذا ومرة لهذا وأما النصب فهو النقل والانتقال من حال إلى حال { بَيْنَ ٱلأَغْنِيَاء مِنكُمْ } يعني لكيلا يغلب الأغنياء على الفقراء ليقسمونه بينهم ثم قال { وَمَا ءاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ } يعني ما أعطاكم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغنيمة فخذوه وما أمركم الرسول فاعملوا به { وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } يعني فامتنعوا عنه { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ آلْعِقَابِ } لمن عصاه ثم ذكر أن الفيء للمهاجرين فقال تعالى { لِلْفُقَرَاء الْمُهَـٰجِرِينَ } يعني الغنائم للفقراء المهاجرين { الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأَمْوٰلِهِمْ } يعني تركوا أموالهم وديارهم في بلادهم وهاجروا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقال هذا ابتداء ومعناه عليكم بالفقراء المهاجرين يعني اعرفوا حقهم وصلوهم الذين أخرجوا من ديارهم يعني أخرجهم أهل مكة من ديارهم وأموالهم { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } يعني يطلبون رزقاً في الجنة ورضوان الله تعالى { وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } يعني يطيعون الله فيما أمرهم بطاعته { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ } يعني الصادقين في إيمانهم فطابت أنفس الأنصار بذلك فقالوا هذا كله لهم وأموالنا أيضاً لهم فأثنى الله تعالى على الأنصار فقال عز وجل { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءوا ٱلدَّارَ وَٱلإيمَـٰنَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني استوطنوا الدار يعني دار المدينة من قبل هجرتهم يعني نزلوا دار الهجرة في المدينة والإيمان يعني "تبؤوا الإيمان" أي كانوا مؤمنين من قبل أن هاجر إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قال الله تعالى { يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ } يعني يحبون من يقدم إليهم من المؤمنين { وَلاَ يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مّمَّا أُوتُواْ } يعني لا يكون في قلوبهم حسداً مما أعطوا يعني المهاجرين ويقال حاجة يعني حزازة، وهو الحزن، ويقال ولا يجدون في صدورهم بخلاً وكراهة بما أعطوا { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } في القسمة يعني الغنيمة يعني تركوها للمهاجرين { وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } يعني حاجة وروى وكيع عن فضيل بن عمران عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار نزل به ضيف فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه فقال لامرأته نومي الصبية وأطفئي السراج وقربي إلى الضيف ما عندك فنزل (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) ويقال إن رجلاً من الأنصار أهدي له براً من مشوي فقال لعل جاري أحوج مني فبعث إليه ثم إن جاره بعثه إلى آخر فطاف سبعة أبيات ثم عاد إلى الأول فنزل ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة قال الله تعالى { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } يعني ومن يمنع بخل نفسه { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } يعني الناجين وروى وكيع بإسناده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "بريء من الشح من أدى الزكاة وأقرى الضيف وأعطى في النائبة" وقد أثنى الله تعالى على المهاجرين وعلى الأنصار ثم أثنى على الذين من بعدهم على طريقتهم فقال { وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ } يعني التابعين ويقال يعني الذين هاجروا من بعد الأولين { يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإَيمَـٰنِ } يعني أظهروا الإيمان قبلنا يعني المهاجرين والأنصار { وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ } يعني غشاً وحسداً وعداوة { لّلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ } يعني رحيم بعبادك المؤمنين وفي الآية دليل أن من ترحم على الصحابة واستغفر لهم ولم يكن في قلبه غل لهم فله حظ في المسلمين وله أجر مثل أجر الصحابة ومن شتم أو لم يترحم عليهم أو كان في قلبه غل لهم ليس له حظ في المسلمين لأنه ذكر للمهاجرين فيه حظ ثم ذكر الأنصار ثم ذكر الذين جاؤوا من بعدهم وقد وصفهم الله بصفة الأولين إذ دعا لهم وفي الآية دليل أن الواجب على المؤمنين أن يستغفروا لإخوانهم الماضين وينبغي للمؤمنين أن يستغفروا لآبائهم ولمعلميهم الذين علموهم أمور الدين ثم نزل في شأن المنافقين.