وقوله تعالى: {أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً} يعني أعْبُدُ غير الله؟ ويقال: أأطلب القضاء من غير الله؟ {وَهُوَ ٱلَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مُفَصَّلاً} يعني مبيناً فيه أمره ونهيه بلغة يعرفونها. ويقال: مفرقاً سورة سورة وآية آية. {وَٱلَّذِينَ ءاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ} يعني مؤمني أهل الكتاب {يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مّن رَّبّكَ بِٱلْحَقِّ} يعني القرآن منزل من الله بالعدل. قرأ ابن عامر وعاصم في رواية حفص: (منزّل) بتشديد الزاي. وقرأ الباقون بالتخفيف ثم قال: {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ} يعني الشاكين في أنه الحق. وأنه من الله تعالى خاطبه بذلك وأراد به غيره من المؤمنين لكي لا يشكوا فيه. قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ} يقول: وجب قول ربك بأنه ناصر محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن عاقبة الأمر به {صِدْقاً وَعَدْلاً} يعني صدقاً فيما وعد الله له من النصرة (وعدلاً) فيما حكم به {لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ} يقول: لا مغير لوعده كقوله:
{ لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } [غافر: 51] ويقال: {لاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ} يعني لا ينقض بعضها بعضاً ولا يشبه كلام البشر. "وروى أنس بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} قال: هو قول لا إله إلا الله" {وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ} "السميع" بما سألوا "العليم" بهم. ثم قال: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ} يعني أهل أرض مكة فيما يدعونه إلى ملة آبائه. ويقال: وإن تطع أكثر من في الأرض يعني الكفار لأن أكثر من في الأرض كانوا الكفار {يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ} يعني يصرفوك عن دين [الإسلام] {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ} يعني أن أكثرهم يتبعون أكابرهم بالظن ويتبعونهم فيما لا يعلمون أنهم على الحق. فإن قيل: كيف يعذبون وهم ظانون على غير يقين؟ قيل لهم: لأنهم اقتصروا على الظن والجهل لأنهم اتبعوا أهواءهم ولم يتفكروا في طلب الحق. ويقال: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ} يعني في أكل الميتة واستحلالها {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} يعني ما هم إلا كاذبون باستحلالهم الميتة لأنهم كانوا يقولون: ما قتل الله فهو أولى بالحل وبأكله مما نذبحه بأيدينا. {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ} يعني: عن دينه وعن شرائع الإسلام {وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ} لدينه. قرأ أهل الكوفة: عاصم وحمزة والكسائي: (وتمت كلمة ربك) وقرأ الباقون: (كلمات) بلفظ الجماعة.