التفاسير

< >
عرض

وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ
١٢٦
لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٢٧
وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ
١٢٨
وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
١٢٩
-الأنعام

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَهَـٰذَا صِرٰطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً } يعني هذا التوحيد دين ربك مستقيماً يعني قائماً برضاه { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَـٰتِ } يعني قد بينا العلامات وبينا الآيات في أمر القلوب والهدى والضلالة { لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } يعني يتعظون ويتفكرون في توحيد الله تعالى. ويقال: معناه لا عذر لأحد في التخلف عن الإيمان لأن الله تعالى قد بين طريق الهدى، وقد بين العلامات في ذلك لمن كان له عقل وتمييز. ثم ذكر ما أعد الله للمؤمنين في الآخرة فقال: { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ } وهي الجنة وهي دار السلام من الأمراض والآفات. والخوف والهرم وغير ذلك. ويقال: (لهم دار السلام): فالله السلام والجنة داره يعني دار رب العزة التي أعد لأوليائه بالثواب { وَهُوَ وَلِيُّهُم } أي الله تعالى حافظهم وناصرهم في الدنيا. ويقال: هو وليهم في الآخرة بالثواب، { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } في الدنيا. قوله تعالى: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } يقول: واذكر يوم يجمعهم الله { جَمِيعاً } يعني الجن والإنس. قرأ عاصم في رواية حفص (يحشرهم) بالياء يعني أن الله يحشرهم. وقرأ الباقون: (نحشرهم) بالنون { يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ } يقول لهم: يا معشر الجن { قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُم مِّنَ ٱلإِنْسِ } يعني قد أضللتم كثيراً من الإنس. { وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ } الذين أضلوهم { رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } يعني انتفع بعضنا ببعض وكان استمتاع الإنس بالجن في الدنيا أن أهل الجاهلية كانوا إذا سافر واحد منهم فأدركه المساء بأرض قفر وخاف بالليل فقال: أعوذ بسيد أهل هذا الوادي من سفهاء قومه، فأمن ولبث في جوارهم حتى يصبح، وكان استمتاع الجن بالإنس أن قالوا: لقد سوّدنا الإنس والجن فيزيدون شرفاً في قومهم يعني فيما بين الجن والإنس { وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا ٱلَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا } يعني الموت الذي جعلته أجلنا في هذه الدنيا. وهذا قول الكلبي. وقال الضحاك: { رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } يعني خدع بعضنا بعضاً عن دينك يعني أن الجن قد خدعنا وأَضَلّنا { وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا ٱلَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا } يعني ما كتبت علينا من الشقاوة. { قَالَ: ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ } يعني منزلكم وهم الجن والإنس { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } مقيمين في النار { إِلاَّ مَا شَاءَ ٱللَّهُ } قال الكلبي: مشيئة الله من كل شيء. ويقال: إلا ما شاء الله البرزخ والقيامة. قد شاء الله لهم الخلود فيها. ويقال: { إِلاَّ مَا شَاء ٱللَّهُ } يخرج منها من أهل التوحيد. { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }. ثم قال: { وَكَذٰلِكَ نُوَلّي } يعني نسلط { بَعْضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضاً } يعني كفار الجن على كفار الإنس. ويقال: نسلط بعض الظالمين بعضاً فيهلكه ويذله. وهذا كلام لتهديد الظالم لكي يمتنع عن ظلمه، لأنه لو لم يمتنع يسلط الله عليه ظالماً آخر ويدخل في الآية جميع من يظلم، ومن ظلم في رعيته أو التاجر يظلم الناس في تجارته، أو السارق وغيرهم. وقال فضيل بن عياض: إذا رأيت ظالماً ينتقم من ظالم، فقف وانظر فيه متعجباً. وقال ابن عباس: إذا رضي الله عن قوم ولى أمرهم خيارهم، وإذا سخط الله على قوم، ولى أمرهم شرارهم بما كانوا يكسبون ثم تلا قوله { وَكَذٰلِكَ نُوَلّي بَعْضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضاً } وعن مالك بن دينار قال: قرأت في بعض الكتب المنزلة أن الله تعالى يقول: إني أنا الله مالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، ونواصيها بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك ولكن توبوا إلي أجعلهم عليكم رحمة. ثم قال: { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } يعني يسلط بعضهم على بعض بأعمالهم الخبيثة.