التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
٢٠
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ
٢١
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ
٢٢
ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ
٢٣
-الأنعام

بحر العلوم

{ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلكِتَابَ } يعني التوراة والإنجيل { يَعْرِفُونَهُ } يعني محمداً - صلى الله عليه وسلم - بنعته وصفته { كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ }. وقال عبد الله بن سلام: أنا أعرف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من إبني لأني أشهد أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أشهد لابني لأني لا أدري ما أحدثت النساء بعدي. ثم قال: { ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } يعني كعب بن الأشرف ومن تابعه ممن طلبوا الرئاسة آثروا الدنيا على الآخرة. قوله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } يعني ممن اختلق على الله كذباً باتخاذ الآلهة، وقوله الشرك { أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ } يعني بالقرآن أنه ليس من عند الله { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } يعني أنه لا يأمن الكافرون من عذابه. قال في اللغة: (إنه): مرة تكون الإشارة مثل قوله: { { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [يوسف: 98] ومرة تكون للعماد مثل قوله تعالى: { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } [المؤمنون: 117] و{ أَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } وقوله تعالى: { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } يوم القيامة { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ: أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } يعني أين آلهتكم التي تزعمون يعني تعبدون من دون الله { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ } وأصل الفتنة في اللغة: هو الإختبار ويقال: فتنت الذهب في النار إذا أدخلته لتعلم جودته، وإنما سمي جوابهم فتنة. لأنهم حين سئلوا اختبروا بما عندهم بالسؤال فلم يكن الجواب من ذلك الإختبار فتنة إلا هذا القول. ويقال: ثم لم تكن معذرتهم وجوابهم { إِلاَّ أَن قَالُواْ: وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ }. [قال مجاهد] إن المشركين لما رأوا يوم القيامة: أن الله لا يغفر ذنوبهم يقول بعضهم لبعض: يا ويلكم جئتم بما لا يغفر الله لكم هلموا الآن فلنكْذِبْ على أنفسنا ونحلف على ذلك فحلفوا فحينئذ ختم على أفواههم فتشهد أيديهم وأرجلهم عليهم. قرأ ابن عامر وابن كثير وعاصم في رواية حفص: (ثم لم تكن فتنتهم) بالتاء لأن الفتنة مؤنث (فتنتهم) بضم التاء لأنه اسم تكن. وقرأ حمزة والكسائي: (ثم لم يكن) بالياء لأن الفتنة وإن كانت مؤنثة إلا أن تأنيثه ليس بحقيقي ولأن الفتنة بمعنى الافتان فانصرف إلى المعنى (فتنتهم) بالنصب فجعلاه خبر تكن والاسم ما بعده وقرأ أبو عمرو ونافع وعاصم في رواية أبي بكر: (ثم لم تكن) بالتاء والنصب وقرأ حمزة والكسائي: (والله ربَّنا) بنصب الباء ومعناه يا ربنا وقرأ الباقون: (والله ربِّنا) بكسر الباء على معنى النعت. قال الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - انظر كيف كذبوا على أنفسهم أي كيف صار وبال تكذيبهم على أنفسهم. ويقال: يقول الله تعالى للملائكة: { ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ.. }.