التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
١
إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ
٢
لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٣
-الممتحنة

بحر العلوم

قوله سبحانه وتعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء } نزلت في حاطب بن أبي بلتعة العبسي ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهز الجيش للخروج إلى فتح مكة وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج إلى الغزو ورى بغيره يعني: يظهر من نفسه أنه يريد الخروج إلى ناحية أخرى وكان الناس لا يعلمون إلى أي ناحية يريد الخروج فأمر الناس بأن يتجهزوا للخروج إلى الغزو ولم يعلموا إلى أين يخرج إلا الخواص من أصحابه فبينما الناس يتجهزون إذ قدمت امرأة من مكة يقال لها سارة مولاة بني عمر بن الصيف بن هشام بن عبد مناف وكانت امرأة مغنية فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - لماذا جئت فقالت جئت لتعطيني شيئاً فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - ما فعلت بحطباتك من شبان قريش فقالت منذ قتلهم ببدر لم يصل إلى شيء إلا القليل فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن تعطى شيئاً لترجع فلما أرادت الخروج أتاها حاطب بن أبي بلتعة فقال لها إني معطيك عشرة دنانير وكساء على أن تبلغي إلى أهل مكة كتاباً فأجابته إلى ذلك فخرجت إلى مكة فنزل جبريل عليه السلام في أثرها بالخبر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي والزبير والمقداد انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة معها كتاب فخذوه منها فخرجوا حتى أتوا الروضة فإذا هي سارة هناك فقالوا لها أخرجي الكتاب. فقالت ما معي كتاب فألحوا عليها فحلفت أنه ليس معها كتاب فلم يصدقوها حتى نزعت جميع ثيابها فرمت بها إليهم فنظروا إلى ثيابها فلم يجدوا فيها الكتاب ونظروا في راحلتها وأمتعتها فلم يجدوا فيها الكتاب فقال بعضهم لبعض تعالوا حتى نرجع فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إن جبريل نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بذلك فقول المرأة أصدق أم قول جبريل فوالله لا أرجع حتى آخذ منها الكتاب ولأحملن رأسها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسل السيف ليضرب رأسها فأخرجت الكتاب من عقاصها فأتوا به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرأ الكتاب فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة وأخبرهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد الخروج إليهم وذكر أن محمداً يقصدكم فخذوا حذركم وإنه أراد بالكتاب إليهم مودتهم فقام إليه عمر رضي الله عنه وقال دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ما هذا يا حاطب فقال لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسهم وكل من كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهاليهم فأردت أن أتخذ فيهم يداً يحمون قرابتي وما فعلت هذا كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا أرضى بالكفر بعد الإسلام وقد علمت أن الله تعالى منجز وعده ما وعد إلا نصر نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "دعوه إنه يشهد بدراً وما يدريك يا عمر لعل الله تعالى قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم" فنزل يا أيها الذين آمنوا فسماهم مؤمنين لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء يعني في العون والنصرة. { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } يعني: تكتبون وتبعثون إليهم بالصحيفة والنصيحة ويقال معناه تخبرونهم كما يخبر الرجل أهل مودته حيث توجهون إليهم بالكتاب والمودة والنصيحة { وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَاءكُمْ مّنَ ٱلْحَقّ } يعني: من القرآن والرسول { يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّـٰكُمْ } يعني: أخرجوكم من مكة { أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبّكُمْ } يعني: لأجل الإيمان بربكم يعني بوحدانية ربكم { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِى سَبِيلِى وَٱبْتِغَاء مَرْضَاتِى تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } يعني: لا تلقون إليهم بالمودة إن كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ مجاهدين في سبيلي وطلب رضاي { وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ } يعني: ما أسررتم وما أظهرتم يعني: أسررتم من المودة لأهل الكفر وأعلنتم الاقرار بالتوحيد { وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } يعني: من يفعل منكم بعد هذا فقد خطا قصد الطريق ثم قال عز وجل: { إِن يَثْقَفُوكُمْ } وهذا إخبار من الله تعالى للمؤمنين بعداوة كفار مكة إياهم لكيلا يميلوا إليهم فقال "إن يثقفوكم" يعني: أن يظهروا عليكم ويقال إن يأخذوكم ويقال إن يقهروكم ويغلبوكم { يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاء } يعني: يتبين لكم أنهم أعداؤكم فيظهر لكم عداوتهم عند ذلك { وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ } بالقتل والتعذيب { وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوء } يعني: بالشتم { وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } يعني: تمنوا أن ترجعوا إلى دينهم فإن فعلتم ذلك بسبب قرابتكم { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَـٰمُكُمْ } يعني: قرابتكم { وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ } الذين كانوا بمكة { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } يعني: يفرق بينكم وبينهم يوم القيامة قرأ عاصم بنصب الياء وكسر الصاد مع التخفيف يعني: يفصل الله بينكم يوم القيامة وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو يفصل بينكم بضم الياء ونصب الصاد مع التخفيف على معنى فعل ما لم يسم فاعله، والمعنى مثل الأول وقرأ حمزة والكسائي يفصل بينكم بضم الياء وكسر الصاد مع التشديد يعني يفصل الله بينكم والتشديد للتكثير وقرأ ابن عامر يفصل بينكم بضم الياء ونصب الصاد مع التشديد على معنى فعل ما لم يسم فاعله والتشديد للتكثير ويقال الفصل هو القضاء يعني: يقضي بينكم على هذا { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } يعني: عالم بأعمالكم.