التفاسير

< >
عرض

وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ
١١
يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٢
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ ٱلآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ
١٣
-الممتحنة

بحر العلوم

قوله عز وجل: { وَإِن فَاتَكُمْ شَىْءٌ مّنْ أَزْوٰجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّـٰرِ } يعني: إذا ارتدت امرأة ولحقت بدار الحرب (فعاقبتم) يعني: فغنم من المشركين شيئاً { فَاتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوٰجُهُمْ } من الغنيمة { مّثْلَ مَا أَنفَقُواْ } من الغنيمة مثل الذين أعطوا نساءهم من المهر وهذه الآية منسوخة بالإجماع قرأ إبراهيم النخعي (فعقبتم) بغير ألف وعن مجاهد أنه قرأ { فَعَـٰقَبْتُمْ } وقراءة العامة (فعاقبتم) فذلك كله يرجع إلى معنى واحد يعني إذا غلبتم العدو واعتصمتم واصبتموهم في القتال { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } يعني: أخشوا الله فلا تعصوه فيما أمركم { ٱلَّذِى أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } يعني: مصدقين ثم قال: { ياأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا جَاءكَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتُ يُبَايِعْنَكَ } يعني: النساء إذا أسلمن فبايعهن { عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً } يعني: لا يعبدن غير الله { وَلاَ يَسْرِقْنَ } يعني: لا يأخذن مال أحد بغير حق { وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلْـٰدَهُنَّ } يعني: ولا يقتلن بناتهن كما قتلن في الجاهلية ويقال لا يشربن دواءاً فيسقطن حملهن ثم اختلفوا في مبايعة النساء وقال بعضهم وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثوباً وأخذ في الثوب وقال بعضهم كان يشيرهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويصافحهن عمر وذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة وفرغ من مبايعة الرجال وهو على الصفا وعمر بن الخطاب رضي الله عنه أسفل منه فبايع النساء على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن فقالت هند امرأة أبي سفيان إني قد أصبت من مال أبي سفيان فلا أدري أحلال أم لا فقال أبو سفيان نعم ما أصبت فيما مضى وفيما غير فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عفا الله عما سلف وفي خبر آخر أنها قالت أرأيت لو لم يعطني ما يكفيني ولولدي هل يحل لي أن آخذ من ماله فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "خذي من ماله ما يكفيك ولولدك بالمعروف" . ثم قال ولا يزنين فلما قال ذلك قالت هند أو تزني الحرة فضحك عمر عند ذلك ثم قال تعالى { وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلْـٰدَهُنَّ } يعني: لا يقتلن بناتهن الصغار فقالت هند ربيناهم صغاراً أفنقتلهم كباراً فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال { وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَـٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } يعني: لا يجيئن بصبي من غير زوجها فيقلن للزوج هو منك فقالت هند إن البهتان أفحش وما تأمرنا إلا بالرشد ثم قال عز وجل: { وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ } يعني: في طاعة مما أمر الله تعالى ويقال ولا يعصينك في معروف يعني فيما نهيتهن عن النوح وتمزيق الثياب أو تخلو مع الأجنبي أو نحو ذلك فقالت هند ما جلسنا هذا المجلس وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء ثم قال: { فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ } يعني: إذا بايعن على ذلك فاسأل الله لهن المغفرة لما كان في الشرك { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } غفور لهن كان في الشرك رحيم فيما بقي قوله تعالى: { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } وذلك أن ناساً من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأمر المسلمين يتواصلون إليهم بذلك فيصيبون من ثمارهم وطعامهم وشرابهم فنهاهم الله تعالى عن ذلك فقال: { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } يعني: لا تتخذوا الصداقة مع قوم غضب الله عليهم ويقال هذا أَيضاً في حاطب بن أبي بلتعة. ثم قال عز وجل: { قَدْ يَئِسُواْ مِنَ ٱلآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّـٰرُ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْقُبُورِ } قال مقاتل وذلك أن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك شديد الانتهار فيجلسه ثم يسئله من ربك وما دينك ومن رسولك فيقول لا أدري فيقول الملك أبعدك الله انظر يا عدو الله إلى منزلك فينظر إليه من النار فيدعو بالويل والثبور فيقول هذا لك يا عدو الله فيفتح له باب إلى الجنة فيقول هذا لمن آمن بالله تعالى فلو كنت آمنت بربك نزلت الجنة فيكون حسرة عليه وينقطع رجاؤه منها وعلم أنه أبعد له فيها ويئس من خير الجنة فذلك قوله تعالى للكفار أهل الدنيا الأحياء منهم قد يئسوا من الآخرة يعني: من خير الآخرة لأنهم كذبوا بالثواب والعقاب وهم آيسون من الجنة كما يئس الكفار من أصحاب القبور، إذا عرف منازله ويقال إن الكفار إذا مات منهم أحد يئسوا من رجوعه فيقال قد يئس هؤلاء من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور من رجوعهم ويقال يئسوا من الآخرة يعني هؤلاء الكفار كما يئس الكفار الذين كانوا قبلهم من الآخرة وهو اليوم من أصحاب القبور والله أعلم بالصواب وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.