التفاسير

< >
عرض

عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَٱللَّهُ قَدِيرٌ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٧
لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٨
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
٩
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١٠
-الممتحنة

بحر العلوم

قال عز وجل: { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ } يعني: لعل الله أن يجعل بينكم { وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم } من كفار مكة { مّنْهُم مَّوَدَّةً } وذلك أنه لما أخبرهم عن إبراهيم بعداوته مع أبيه فأظهر المسلمون العداوة مع أرحامهم فشق ذلك على بعضهم فنزل { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مّنْهُم مَّوَدَّةً } يعني: صلة قال مقاتل فلما أسلم أهل مكة خالطوهم وناكحوهم فتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أم حبيبة بنت أبي سفيان وأسلمت وأسلم أبوها ويقال يسلم منهم فيقع بينكم وبينهم مودة بالإسلام وهذا القول أصح لأنه كان قد تزوج بأم حبيبة قبل ذلك { وَٱللَّهُ قَدِيرٌ } على المودة ويقال قدير بقضائه وهو ظهور النبي - صلى الله عليه وسلم - على أهل مكة { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } لمن تاب منهم { رَّحِيمٌ } بهم بعد التوبة ثم رخص في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم وهم خزاعة وبني مدلج فقال عز وجل: { لاَّ يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدّينِ } يعني: عن صلة الذين لم يقاتلوكم في الدين { وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دِيَـٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ } يعني: أن تصلوهم { وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ } يعني: تعدلوا معهم بوفاء عهدهم { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } يعني: العادلين بوفاء العهد يقال أقسط الرجل فهو مقسط وإذا عدل وقسط يقسط فهو قاسط إذا جار.
ثم قال عز وجل: { إِنَّمَا يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَـٰتَلُوكُمْ فِى ٱلدّينِ } يعني: عن صلة الذين قاتلوكم في الدين وهم أهل مكة ومن كان في مثل حالهم من أهل الحرب { وَأَخْرَجُوكُم مّن دِيَـٰرِكُمْ وَظَـٰهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرٰجِكُمْ } يعني: عاونوا على إخراجكم من دياركم { أَن تَوَلَّوْهُمْ } يعني: أن تناصحوهم { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ } منكم يعني: يناصحهم ويحبهم منكم { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } يعني: الكافرون الظالمون لأنفسهم. قوله عز وجل: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا جَاءكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتُ مُهَـٰجِرٰتٍ } وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صالح أهل مكة يوم الحديبية وكتب بينه وبينهم كتاباً
"إن من لحق من المسلمين بأهل مكة فهو منهم ومن لحق منهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - رده عليهم" فجاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - اسمها سبيعة بنت الحارث الأسلمية فجاء زوجها في طلبها فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - ارددها فإن بيننا وبينك شرطاً فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إنما كان الشرط في الرجال ولم يكن في النساء" فأنزل الله تعالى إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات نصب على الحال { فَٱمْتَحِنُوهُنَّ } يعني: اختبروهن ما أخرجكن من بيوتكن ويقال: فامتحنوهن يعني: اسألوهن ويقال استخلفوهن ما خرجنا إلا حرصاً على الإسلام ولم تكن لكراهية الزوج ولا لغير ذلك { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـٰنِهِنَّ } يعني: أعلم بسرائرهن { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَـٰتٍ } يعني: إذا ظهر عندكم إنها خرجت لأجل الإسلام ولم يكن خروجها لعداوة وقعت بينها وبين زوجها { فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ } يعني: لا تردوهن إلى أزواجهن { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ } يعني: لا تحل مؤمنة لكافر { وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } يعني: ولا نكاح كافر لمسلمة قوله تعالى: { وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ } يعني: أعطوا أزواجهن الكفار ما أنفقوا عليهن من المهر قال مقاتل يعني: إن تزوجها أحد من المسلمين يدفع المهر إلى الزوج فإن لم يتزوجها أحد من المسلمين فليس لزوجها الكافر شيء ثم قال { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ } يعني: لا حرج على المسلمين أن يتزوجوهن { إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } يعني: مهورهن فرد المهر على الزوج الكافر منسوخ وفي الآية دليل أن المرأة إذا خرجت من دار الحرب بانت من زوجها وفي الآية تأييد لقول أبي حنيفة أنه لا عدة عليها وفي أقوال أبي يوسف ومحمد عليها العدة. ثم قال: { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } قرأ أبو عمرو ولا تمسكوا بالتشديد والباقون بالتخفيف فمن قرأ بالتخفيف فهو من أمسك يمسك ومن قرأ بالتشديد فهو من مسك بالشيء يمسكه تمسيكاً ومعناهما واحد وهو أن المرأة إذا كفرت ولحقت بدار الحرب فقد زالت العصمة بينهما فنهى أن يقبضها من بعد انقطاعها وجاز له أن يتزوج أختها أو أربعاً سواها وأصل العصمة الحبل ومن أمسك بالشيء فقد عصمه وقال معناه لا ترغبوا فيهن ولا تعتدوا فيهن ويقال لا تعتد بامرأتك الكافرة فإنها ليست لك بامرأة وكان للمسلمين نساءاً في دار الحرب فتزوجهن هناك ثم قال { وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ } يعني: اسألوا من أزواجهن ما أنفقتم عليهن من المهر { وَلْيَسْأَلُواْ } منكم { مَآ أَنفَقُواْ } يعني: ما أعطوا من مهر المرأة التي أسلمت وهذه الآية نسخت إلا قوله (لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن) ثم قال { ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ } يعني: أمره ونهيه { يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } يعني: يقضي بينكم { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }.