التفاسير

< >
عرض

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإِسْلاَمِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
٧
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ
٨
هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ
٩
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
١٠
تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
١١
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٢
وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٣
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ
١٤
-الصف

بحر العلوم

قال عز وجل: { وَمَنْ أَظْلَمُ } يعني: من أشد في كفره { مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ } يعني: اختلق على الله { ٱلْكَذِبَ } وهم اليهود { وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإسْلاَمِ } يعني: إلى دين محمد - صلى الله عليه وسلم - { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } يعني: لا يرشدهم ويقال لا يرحمهم ما داموا على كفرهم. ثم قال عز وجل: { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوٰهِهِمْ } يعني: ليبطلوا دين الله بقولهم { وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ } يعني: مظهر توحيده وكتابه { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ } يعني: وإن كره اليهود والنصارى، قرأ حمزة والكسائي وابن عامر وعاصم في رواية حفص والله متم نوره على معنى الإضافة والباقون متم بالتنوين نوره بالنصب فمتم فاعل ونصب نوره لأنه مفعول به، ثم قال عز وجل: { هُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ } يعني: بالتوحيد { وَدِينِ ٱلْحَقّ } يعني: الشهادة لا إله إلا الله { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ } يعني: على الأديان كلها، قال مقاتل: وقد فعل: ويقال: إنه يكون في آخر الزمان لا يبقى أحد إلا مسلم أو ذمة للمسلم { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } يعني: وإن كرهوا ذلك ثم قال عز وجل: { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَـٰرَةٍ تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } يعني: من عذاب دائم، قرأ ابن عامر تنجيكم بالتشديد والباقون بالتخفيف وهما لغتان أنجاه ونجاه بمعنى واحد: ثم بين لهم تلك التجارة فقال عز وجل { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } يعني: تصدقون بتوحيد الله { وَرَسُولِهِ } يعني: وتصدقون برسوله وبماء جاء به من عنده { وَتُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } فقدم ذكر المال لأن الإنسان ربما يضر بماله ما لا يضر بنفسه ولأنه إذا كان له مال فإنه يؤخذ به النفس ليغزو { ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ } يعني: التصديق والجهاد خير لكم من تركهما { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } يعني: تعلمون ثواب الله تعالى ويقال: يعلمون يعني يصدقون ثم بين ثواب ذلك العمل فقال { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } يعني: إن فعلتم ذلك العمل يغفر لكم ذنوبكم { وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ وَمَسَـٰكِنَ طَيّبَةً } يعني: يدخلكم منازل الجنة { فِى جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } يعني: النجاة الوافرة ثم قال عز وجل { وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مّن ٱللَّهِ } يعني: تجارة أخرى تحبونها نصر من الله يعني: ولكم سوى الجنة أيضاً عدة أخرى في الدنيا تحبونها ويقال معناه ونجاة أخرى تحبونها نصر من الله يعني هي النصرة من الله تعالى على عدوكم { وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } يعني: ظفراً سريعاً عاجلاً في الدنيا والجنة في الآخرة ثم قال { وَبَشّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يعني: بشرهم بالجنة ثم قال عز وجل { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ أَنصَـٰرَ ٱللَّهِ } قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو أنصاراً الله بالتنوين والباقون أنصار الله بالإضافة، ومعناهما واحد، يعني: كونوا أعوان الله بالسيف على أعدائه ومعناه: انصروا الله وانصروا دين الله وانصروا محمد - صلى الله عليه وسلم - كما نصر الحواريون عيسى ابن مريم وهو قوله تعالى:
{ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ مَنْ أَنَّصَـٰرِى إِلَى ٱللَّهِ } يعني: من أعواني إلى الله ويقال إنما سموا الحواريون لبياض ثيابهم: ويقال كانوا قصارين ويقال: خلصاؤه وصفوته كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"الزبير ابن عمتي وحواري من أمتي" وتأويل الحواريين في اللغة: الذين أخلصوا وتبرؤوا من كل عيب وكذلك الدقيق الحواري لأنه ينتقى من لباب البرّ وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إنما سموا الحواريين لبياض ثيابهم وكانوا صيادين وروى عبد الرزاق عن معمر قال: تلا قتادة: (يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله) قال وقد كان ذلك بحمد الله جاءه السبعون فبايعوه عند العقبة فنصروه وآووه حتى أظهر الله دينه { قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } يعني: نحن أعوانك مع الله { فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } يعني: بعيسى عليه السلام ويقال فآمنت طائفة من بني إسرائيل بمحمد - صلى الله عليه وسلم - { وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ } يعني: جماعة منهم { فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ } يعني: قوينا الذين آمنوا على عدوهم من الكفار { فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ } فصاروا غالبين بالنصرة والحجة والله أعلم بالصواب.