التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
٩
فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
١٠
وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ
١١
-الجمعة

بحر العلوم

قوله عز وجل: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ } يعني إذا أذن للصلاة { مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } يعني امضوا إلى الصلاة فصلوها، ويقال: إلى ذكر الله يعني الخطبة فاستمعوها، وروى الأعمش عن إبراهيم قال كان ابن مسعود يقرأ فامضوا إلى ذكر الله ويقول لو قرأتها فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي، وقال القتبي السعي على وجوه الإسراع في المشي كقوله تعالى { { وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ } [القصص:20] والسعي العمل كقوله تعالى، { { وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا } [الإسراء:19] وقال { { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [الليل:4] والسعي المشي كقوله تعالى { { يَأْتِينَكَ سَعْيًا } [البقرة:260]، وكقوله تعالى { { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } [الجمعة:9] وقال الحسن في قوله تعالى: { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } قال ليس السعي بالأقدام ولكن السعي بالنية وسعي بالقلب وسعي بالرغبة ثم قال { وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ } ولم يذكر الشراء لأنه لما ذكر البيع فقد دل على الشراء ومعناه اتركوا البيع والشراء، وقال جماعة من العلماء لو باع بعد الأذان يوم الجمعة لم يجز البيع، وقال الزهري يحرم البيع يوم الجمعة عند خروج الإمام، وروى جويبر عن الضحاك أنه قال إذا زالت الشمس يوم الجمعة حرم الشراء والبيع ولو كنت قاضياً لرددته وروى معمر عن الزهري قال الأذان الذي يحرم نية البيع عند خروج الإمام وقت الخطبة، وقال الحسن إذا زالت الشمس فلا تشترِ ولا تبع وقال محمد يحرم البيع عند النداء يوم الجمعة عند الصلاة وروى عكرمة عن ابن عباس قال لا يصح البيع والشراء يوم الجمعة حين ينادى بالصلاة حتى تنقضي وقال عامة أهل الفتوى من الفقهاء إن البيع جائز في الحكم لأن النهي لأجل الصلاة وليس بمانع لمعنى في البيع ثم قال { ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ } يعني السعي إلى الصلاة وترك الشراء والبيع والاستماع إلى الخطبة خير لكم من الشراء والبيع { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } يعني فاعلموا ذلك وكل ما في القرآن إن كنتم تعلمون إن كنتم مؤمنين، فهو بمعنى التقرير والأمر ثم قال عز وجل { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ } يعني فرغتم من الصلاة { فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } يعني: اطلبوا الرزق من الله تعالى بالتجارة والكسب اللفظ لفظ الأمر والمراد به: الرخصة كقوله: { { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَـٰدُواْ } [المائدة:2]، وهي رخصة بعد النهي { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } يعني: واذكروا الله باللسان { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } يعني لكي تنجوا ثم قال عز وجل: { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَـٰرَةً أَوْ لَهْواً } قال مجاهد: اللهو هو الضرب بالطبل: فنزلت الآية حين قدم دحيه ابن خليفة الكلبي، وروى سالم عن جابر قال: أقبلت عير ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نصلي الجمعة فانفض الناس إليهم فما بقي غير اثني عشر رجلاً فنزلت الآية وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً { ٱنفَضُّواْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً } وروى معمر عن الحسن أن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء سعر فقدمت عير والنبي - صلى الله عليه وسلم - قائماً يخطب يوم الجمعة فسمعوا بها فخرجوا إليها والنبي - صلى الله عليه وسلم - قائم قال الله تعالى وتركوك قائماً فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "ولو اتبع آخرهم أولهم لالتهب الوادي عليهم ناراً"
. قال معمر عن قتادة قال لم يبق يومئذ معه إلا إثنى عشر رجلاً وامرأة ويقال إن أهل المدينة كانوا إذا قدمت عير ضربوا بالطبل وخرج الناس فنزل (وإذا رأوا تجارة أو لهواً) انفضوا إليها. والمعنى خرجوا إليها يعني: إلى التجارة، ويقال إليها يعني جملة ما رأوا من اللهو والتجارة، وتركوك قائماً على المنبر { قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مّنَ ٱللَّهْوِ } يعني: ثواب الله تعالى خير من اللهو { وَمِنَ ٱلتّجَـٰرَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرزِقِينَ } وخير المعطين. والله أعلم بالصواب. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.