التفاسير

< >
عرض

هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ
٧
يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
٨
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٩
وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ
١٠
وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
١١
-المنافقون

بحر العلوم

قال { هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ } يعني: يتفرقوا وروى سفيان ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله يقول كنا في غزوة فكسح رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار فقال الأنصاري يال الأنصار، وقال المهاجري يال المهاجرين فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال "ما بال دعوى الجاهلية دعوها فإنها فتنة" فقال عبد الله بن أبي والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فقال عمر دعني يا رسول الله أضرب رأس هذا المنافق فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه" وروى معمر عن قتادة أن عبد الله بن أبي قال لأصحابه لا تنفقوا على من عند رسول الله فإنكم لو لم تنفقوا عليهم قد انفضوا قال فاقتتل رجلان أحدهما من جهينة والآخر من غفار وكانت جهينة حليف الأنصار فظهر عليهم الغفاري فقال رجل منهم عظيم النفاق يعني عبد الله بن أبي عليكم صاحبكم حليفكم فوالله ما مثلنا ومثل محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذلّ. وروى معمر عن الحسن أن غلاماً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا نبي الله إني سمعت أن عبد الله بن أبي يقول كذا فقال. فلعلك غضبت عليه فقال أما والله يا نبي الله فلقد سمعته يقول: فلعله أخطأ سمعك فقال: لا، والله يا نبي الله لقد سمعته يقول فأنزل الله تعالى تصديقاً للغلام لئن رجعنا إلى المدينة فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بأذن الغلام وقال وعت أذنك يا غلام فنزل قوله تعالى: هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا قال الله تعالى { وَلِلَّهِ خَزَائِنُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } يعني مفاتيح السموات، وهي المطر والرزق ومفاتيح الأرض وهي النبات { وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } أمر الله تعالى { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } يعني القوي منها يعني من المدينة الذليل: يعني محمداً - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قال الله تعالى { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ } يعني: المقدرة والمنعة لله ولرسوله { وَلِلْمُؤْمِنِينَ } حيث قواهم الله تعالى ونصرهم { وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني: لا يصدقون في السر ويقال: ولله العزة يعني القدرة ويقال نفاذ الأمر ولرسوله وهو عزة النبوة والرسالة وللمؤمنين وهو عز الإيمان والإسلام أعزهم الله في الدنيا والآخرة ولكن المنافقين لا يعلمون.
ثم قال عز وجل { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوٰلُكُمْ } يعني: لا تشغلكم أموالكم { وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } يعني عن طاعة الله تعالى { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } يعني من لم يعمل بطاعته ولم يؤمن بوحدانيته { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } يعني: المغبونين بذهاب الدنيا وحرمان الآخرة ثم قال عز وجل { وَأَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَـٰكُمْ } يعني: تصدقوا مما رزقناكم أي مما رزقكم الله من الأموال { مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } يعني يقول يا سيدي ردني إلى الدنيا { فَأَصَّدَّقَ } يعني فأتصدق ويقال أصدق بالله { وَأَكُن مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } يعني أفعل كما فعل المؤمنون وروى الضحاك عن ابن عباس أنه قال من كان له مال يجب فيه الزكاة فلم يزكه أو مال يبلغه بيت الله فلم يحج سأل عند الموت الرجعة قال - فقال رجل اتق الله يا ابن عباس سألت الكفار الرجعة قال إني أقرأ عليك بهذا القرآن ثم قرأ { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } إِلَى قَولِه { فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ }.
فقال رجل يا ابن عباس وما يوجب الزكاة قال مائتان فصاعداً قال فما يوجب الحج قال الزاد والراحلة، قرأ أبو عمرو (فأصدق وأكون) بالواو وفتح النون والباقون (وأكن) بحذف الواو بالجزم فمن قرأ (أكون) لأن قوله فأصدق جواب (لولا أخبرتني) بالفاء فأكون معطوفاً عليه، ومن قرأ (فاكن) فإنه عطفه على موضع فأصدق لأنه على معنى إن أخرتني أصدق وأكن ولم يعطفه على اللفظ قال أبو عبيدة: قرأت في مصحف عثمان هكذا بغير واو ثم قال: { وَلَن يُؤَخّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا } يعني: إذ جاء وقتها { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } من الخير والشر فيجازيكم قرأ عاصم في رواية أبي بكر يعلمون بالياء على معنى الخبر عنهم والباقون بالتاء على معنى المخاطبة والله أعلم.