التفاسير

< >
عرض

وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً
٨
فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً
٩
أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً
١٠
رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً
١١
ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً
١٢
-الطلاق

بحر العلوم

قوله تعالى { وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ } يعني فكم من أهل قرية قرأ ابن كثير وكأين بغير الألف والباقون بغير مد مع تشديد الياء، وهما لغتان ومعناهما واحد يعني وكم من قرية { عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبّهَا } يعين أبت وعصت عن أمر ربها يعني: عن طاعة ربها قال مقاتل: عتت عن أمر ربها يعني خالفت وعصت وقال الكلبي: العتو المعصية وقال أهل اللغة العتو مجاوزة الحد في المعصية ثم قال { وَرُسُلِهِ } يعني: عن طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - { فَحَاسَبْنَـٰهَا حِسَاباً شَدِيداً } يعني جازاها الله بعملها ويقال حاسبناها في الآخرة حساباً شديداً { وَعَذَّبْنَـٰهَا عَذَاباً نُّكْراً } يعني عذاباً منكراً على معنى التقديم يعني عذبناها في الدنيا عذاباً شديداً وحاسبناها في الآخرة حساباً شديداً ويقال وحاسبناها يعني في الدنيا يعني جازيناها وخذلناها وحرمناها ثم قال عز وجل { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا } يعني: جزاء ذنبها { وَكَانَ عَـٰقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً } يعني: أهل القرية يعني أن آخر أمرهم صار إلى الخسران والندامة ثم قال: { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } يعني ما أصابهم في الدنيا لم يكن كفارة لذنوبهم ولكن مع ما أصابهم في الدنيا أعد الله لهم عذاباً شديداً في الآخرة لأنهم لم يرجعوا عن كفرهم ثم أمر المؤمنين بأن يعتبروا بهم ويثبتوا على إيمانهم فقال { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ } يعني، اخشوا الله وأطيعوه يا ذوي العقول من الناس { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله يعني الذين صدقوا بالله ورسوله { قَدْ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً } يعني كتاباً ويقال شرفاً وعزاً وهو القرآن. ثم قال { رَسُولاً } يعني أرسل إليكم رسولاً { يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ } يعني يقرأ عليكم ويعرض عليكم ويقال: قد أنزل إليكم ذكراً ورسولاً يعني كتاباً مع رسوله ليتلو عليكم يعني يقرأ عليكم { آيَاتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ } يعني: واضحات ويقال: بين فيه الحلال والحرام { لّيُخْرِجَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } يعني: الذين صدقوا بتوحيد الله وطاعته { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } يعني الطاعات { مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } يعني من الجهالة إلى البيان ويقال: ليخرج الذين آمنوا اللفظ لفظ المستقبل والمراد به الماضي يعني أخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور يعني من الكفر إلى الإيمان ويقال: هو المستقبل يعني يخرجهم من الشبهات والجهالات إلى الدلالات والبراهين، ويقال: ليدعو النبي - صلى الله عليه وسلم - ليخرجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان من قدرة الله الإيمان في سابق علمه ثم قال عز وجل { وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ } يعني: يصدق بالله ويقال: يثبت على الإيمان { وَيَعْمَلْ صَـٰلِحاً } يعني فرائض الله وسنن الرسول - صلى الله عليه وسلم - { يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } قرأ نافع وابن عامر ندخله بالنون والباقون بالياء يعني يدخله الله تعالى في الآخرة { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } يعني مقيمين في الجنة دائمين فيها { أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ ٱللَّهُ لَهُ رِزْقاً } يعني أعد الله له ثواباً في الجنة ثم قال عز وجل { ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } يعني خلق سبع أراضين مثل عدد السماوات { يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ } يعني ينزل الوحي من السموات، ويقال: في كل سماء وفي كل أرض أمره نافذ، وقال القتبي الأمر على وجوه الأمر أي القضاء كقوله { { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } [يونس: 3] ويعني يقضي القضاء وكقوله { { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرَُ } [الأعراف: 54] أي القضاء والأمر الدين كقوله { { وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } [ الأنبياء: 93] وكقوله { { وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ } [التوبة: 48] أي دين الله والأمر القول كقوله { { يَتَنَـٰزَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ } [الكهف: 21] أي قولهم، الأمر، العذاب، كقوله { { إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ } [هود: 76] والأمر القيامة، كقوله { { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } [النحل: 1] والأمر الوحي كقوله { { يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ } [الطلاق: 12] يعني: الوحي والأمر: الذنب كقوله: { { فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا } [الطلاق: 9] أي جزاء ذنبها. وأصل هذا كله، واحد لأن الأشياء كلها بأمر الله تعالى فسميت الأشياء أموراً ثم قال { لّتَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } يعني يمكنكم أن تعلموا أن الله على كل شيء قدير { وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلّ شَىْء عِلْمَا } يعني أحاط علمه بكل شيء وروى معمر عن قتادة في قوله (سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) قال في كل سماء وفي كل أرض من أرضه وخلق من خلقه وأمر من أموره وقضاء من قضائه سبحانه وتعالى.