التفاسير

< >
عرض

يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً
١
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً
٢
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
٣
وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً
٤
ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً
٥
-الطلاق

بحر العلوم

قوله تعالى: { يأيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنّسَاء } فالخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد به هو وأمته بدليل قوله { إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنّسَاء } فذكر بلفظ الجماعة فكأنه قال يا أيها النبي ومن آمن بك إذا طلقتم النساء يعني: أنت وأمتك إذا أردتم أن تطلقوا النساء وقال الكلبي نزلت في النبي - صلى الله عليه وسلم - : حين غضب على حفصة بنت عمر فقال: فطلقوهن لعدتهن وقال طاهرات: من غير جماع، وروى أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال { فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } طاهرات من غير جماع روى سفيان عن عمرو بن دينار أن ابن عباس رضي الله عنهما قرأ فطلقوهن لقبل عدتهن وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لو أن الناس أصابوا حد الطلاق لما ندم رجل على امرأته يطلقها وهي طاهرة لم يجامعها فإن بدا أن يمسكها فأمسكها وإن بدا له أن يخلي سبيلها خلى سبيلها وروى عكرمة عن ابن عباس قال: الطلاق على أربعة أوجه: وجهان حلال، ووجهان حرام فأما الحلال بأن يطلقها، من غير جماع أو يطلقها حاملاً، وأما الحرام بأن يطلقها حائضاً أو يطلقها حين جامعها، وقال الحسن فطلقوهن لعدتهن قال إذا طهرن من الحيض من غير جماع، وقال الزهري وقتادة يطلقها لقبيل عدتها وروى ابن طاوس عن أبيه قال حد الطلاق أن يطلقها قبل عدتها قلت: وما قبل عدتها قال طاهرة من غير جماع ثم قال { وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ } يعني: واحفظوا العدة: فأمر الرجل بحفظ العدة لأن في النساء غفلة فربما لا تحفظ عدتها. ثم قال { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ } يعني: واخشوا الله ربكم: فأطيعوه فيما أمركم ولا تطلقوا النساء في غير طهورهن فلو طلقها في الحيض فقد أساء والطلاق واقع عليها في قول عامة الفقهاء ثم قال { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ } يعني اتقوا الله في إخراجهن من بيوتهن لأن سكناها على الزوج ما لم تنقض عدتها ثم قال { وَلاَ يَخْرُجْنَ } يعني: ليس لهن أن يخرجن من البيوت، ثم قال: { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ } يعني: إلا أن تزني فتخرج لأجل إقامة الحد عليها وهو قول ابن مسعود، وقال الشعبي وقتادة: خروجها في العدة فاحشة وإخراج الزوج لها في العدة معصية، وهكذا روي عن ابن عمرو وإبراهيم النخعي وقال ابن عباس الفاحشة: أن تبذو على زوجها فتخرج ثم قال { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } يعني: الطلاق بالسنة وإحصاء العدة من أحكام الله تعالى { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ } يعني: يترك حكم الله فيما أمر من أمر الطلاق { فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } يعني: أضر بنفسه: ثم قال { لا تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } يعني: لا تطلقها ثلاثاً: فلعله يحدث من الحب أو الولد خير فيريد أن يراجعها فلا يمكنه مراجعتها وإن طلقها واحدة يمكنه أن يراجعها ثم قال { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } يعني: إذا بلغن وقت انقضاء عدتهن وهو مضي ثلاث حيض ولم تغتسل من الحيضة الثالثة { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } يعني: راجعوهن بإحسان: يعني: أن تمسكوهن بغير إضرار { أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } يعني: اتركوهن بإحسان ويقال: فإذا بلغن أجلهن يعني؛ انقضت عدتهن فأمسكوهن بمعروف يعني بنكاح جديد إذا طلقها واحدة أو اثنتين ثم قال عز وجل: { وَأَشْهِدُوا ذَوِى عَدْلٍ مّنْكُمْ } يعني: أشهدوا على الطلاق والمراجعة فهو على الاستحباب ويقال على النكاح المستقبل: فإن أراد به الإشهاد على الطلاق والمراجعة فهو على الاستحباب ولو ترك الإشهاد بالمراجعة جاز الطلاق والمراجعة فإن أراد به الإشهاد على النكاح فهو واجب، لأنه لا نكاح إلاَّ بشهود ثم قال { وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَـٰدَةَ لِلَّهِ } يعني؛ يا معشر الشهود أدوا الشهادة عند الحاكم بالعدل على وجهها لحق الله تعالى ولسبب أمر الله تعالى ثم قال { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ } يعني: هذا الذي يؤمر به { مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي لا يكْتم الشهادة ثم قال { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } يعني: يخشى الله ويطلق امرأته للسنة يجعل له مخرجاً يعني: المراجعة. { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } يعني: في شأن المراجعة، ويقال يجعل له مخرجاً يعني: ينجو من ظلمات يوم القيامة ويرزقه الجنة، ووجه آخر أن من اتقى الله عند الشدة وصبر يجعل له مخرجاً من الشدة ويرزقه من حيث لا يحتسب يعني يوسع عليه من الرزق، وقال مسروق يجعل له مخرجاً قال مخرجه أن يعلم أن الله هو يرزقه وهو يمنحه ويعطيه لأنه هو الرازق وهو المعطي وهو المانع كما قال الله تعالى: { { هَلْ مِنْ خَـٰلِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُمْ } [فاطر: 3] الآية
ثم قال عز وجل { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } يعني من يثق بالله في الرزق فهو حسبه يعني الله كافيه، وروى سالم بن أبي الجعد أن رجلاً من أشجع أسره العدو فجاء أبوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكا إليه فقال اصبر فأصاب ابنه غنيمة فجاء بهما جبريل - عليه السلام - ومن يتق الله يجعل له مخرجاً الآية وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إن ابني أسره العدو وجزعت الأم فما تأمرني فقال آمرك وإياها أن تستكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فرجع إلى منزله فقالت له بماذا أمرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بكذا فقالت نعم ما أمرك به فجعلا يقولان ذلك فخرج ابنه بغنيمة كثيرة فنزل قوله تعالى { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } يعني من يثق بالله في الشدة يجعل له مخرجاً من الشدة ويقال المخرج على وجهين أحدهما أن يخرجه من تلك الشدة، والثاني أن يكرمه فيها بالرضا والصبر ثم قال: { إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمْرِهِ } يعني: قاضياً أمره: قرأ عاصم في رواية حفص بالغ أمره بغير تنوين بكسر الراء على الإضافة، والباقون بالتنوين أمره بالنصب، نصبه بالفعل بمعنى يمضي أمره في الشدة والرخاء أجلاً ووقتاً ثم قال: { قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلّ شَىْء قَدْراً } يعني: جعل لكل شيء من الشدة والرخاء أجلاً ووقتاً لا يتقدم ولا يتأخر قوله تعالى: { وَٱللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نّسَائِكُمْ } قال ابن عباس رضي الله عنهما لما نزل قوله
{ { وَٱلْمُطَلَّقَـٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَـٰثَةَ قُرُوۤءٍ } [البقرة: 228] قال معاذ بن جبل يا رسول الله لو كانت المرأة آيسة لا تحيض كيف تعتد فنزل { وَٱللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نّسَائِكُمْ } والآية أن تبلغ ستين سنة ويقال خمسين { إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } إن شككتم في عدتهن { فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـٰثَةُ أَشْهُرٍ } فقام رجل آخر فقال: لو كانت صغيرة كيف عدتها وقام آخر وقال لو كانت حاملاً كيف عدتها فنزل { وَٱللاَّئِى لَمْ يَحِضْنَ } يعني: المرأة التي لم تحض فعدتها ثلاثة أشهر مثل عدة الآيسة { وَأُوْلَـٰتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ } يعني عدتهن. { أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وقال عمر لو وضعت ما في بطنها وزوجها على سريره قبل أن يدفن في حفرته لانقضت عدتها وحلت للأزواج وروى الزهري عن عبد الله عن أبيه أن سبيعة بنت الحارث قد وضعت بعد وفاة زوجها بعشرين يوماً فمر بها السنابل بن بعكك فقال لها أتريدين أن نتزوج فقالت نعم قال: لا حتى يأتي عليك أربعة أشهر وعشر فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لها قد حللت للزواج يعني انقضت عدتك ثم قال: { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } يعني: يصبر على طاعة الله تعالى { يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } يعني: ييسر عليه أمره ويوفقه ليعمل على طاعة الله تعالى ويعصمه عن معاصيه ثم قال { ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ } يعني: هذا الذي ذكره حكم الله وفريضته { أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ } يعني: أنزله في القرآن على نبيكم { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } ويعمل بأحكامه وفريضته { يُكَفّرْ عَنْهُ سَيّئَـٰتِهِ } في الدنيا { وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً } يعني ثواباً في الجنة قرأ نافع وابن عامر نكفر عنه بالنون والباقون بالياء ومعناهما يرجع إلى شيء واحد ثم رجع إلى ذكر المطلقات