التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ
٣
إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ
٤
-التحريم

بحر العلوم

قال عز وجل { وَإِذَ أَسَرَّ ٱلنَّبِىُّ } يعني أخفى النبي { إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوٰجِهِ حَدِيثاً } يعني كلاماً { فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ } يعني أَخبرت بذلك الخبر حفصة عائشة { وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } يعني أظهر الله قولها لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حفصة فأخبرها ببعض ما أخبرت عائشة ولم يخبرها عن الجميع فذلك قوله { عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ } يعني سكت عن بعض، ومن هذا قيل: إن الكريم لا يبالغ في العتاب، قرأ الكسائي عرف بعضه بالتخفيف يعني جازاها ببعضه، والباقون (عرّف) بالتشديد يعني عرف حفصه { فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ } يعني لما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك الخبر حفصة { قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا } يعني من أخبرك بهذا { قَالَ نَبَّأَنِىَ } يعني أخبرني { ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ } قوله تعالى { إِن تَتُوبَا إِلَى ٱللَّهِ } يعني عائشة وحفصة { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } يعني مالت قلوبكما عن الحق وذكر عن الفراء أنه قال: معناه إن لا تتوبا إلى الله فقد مالت قلوبكما عن الحق، ويقال: فيه مضمر، ومعناه: إن تتوبا إلى الله يقبل الله توبتكما، ويقال معناه إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما يعني مالت إلى الحق، وروى الزهري عن عبد الله بن عباس قال كنت مع عمر رضي الله عنه حين حج فلما كنا في بعض الطريق نزل في موضع فقلت يا أمير المؤمنين من المرأتان اللتان قال الله تعالى { إِن تَتُوبَا إِلَى ٱللَّهِ } فقال عمر رضي الله عنه واعجباً لك يا ابن عباس، قال الزهري كأنه كره ما سأله عنه ولم يكتمه قال هي حفصة وعائشة رضي الله عنهما ثم قال: كنا معشر قريش قوماً نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم فطفقن نساؤنا يتعلمن من نسائهم فغضبت يوماً على امرأتي فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لتراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل فدخل على حفصة فذكرت لها، فقالت: نعم، فقلت قد خاب من فعل ذلك منكن وخسرت أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله لا تراجعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تسأليه شيئاً واسأليني ما بدا لك، قالت كان لي جار من الأنصار يأتيني بخبر الوحي وأتاه بمثل ذلك - قالت فأتاني يوماً فناداني فخرجت إليه فقال: حدث أمر عظيم، فقلت: ماذا قال طلق النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه فقلت خابت حفصة وخسرت فدخل على حفصة وهي تبكي فقلت أطلقكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: لا أدري هوذا معتزلاً في هذه المشربة فأتيته فدخلت فسلمت عليه فإذا هو متكىء على رمل حصير قد أثر في جنبه فقلت أطلقت نساءك يا رسول الله قال لا فقلت الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أقسم أن لا يدخل شهراً عليهن حتى نزل { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } إلى قوله تعالى { إِن تَتُوبَا إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا }.
ثم قال { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } يعني تعاونا على أذاه ومعصيته فيكون مثلكما كمثل امرأة نوح وامرأة لوط تعملان عملاً تؤذيان بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ عاصم وحمزة والكسائي تظاهر بالتخفيف وقرأ نافع وأبو عمرو بالتشديد وكذلك ابن كثير وابن عامر في إحدى الروايتين لأن أصله تتظاهر { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَـٰهُ } يعني وليه وناصره { وَجِبْرِيلُ وَصَـٰلِحُ الْمُؤْمِنِينَ } يعني أبا بكر وعمر وعثمان وعلي وأصحابه رضي الله عنهم قال حدثنا الفقيه ابن جعفر حدثنا أبو بكر أحمد بن حمدان حدثنا أحمد بن جرير قال: حدثنا سعيد بن هشام قال حدثنا هشام بن عبد الملك عن محمد بن أبان عن عبد الله بن عثمان عن عكرمة في قوله (وصالح المؤمنين) قال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قال عبد الله فذكرت ذلك لسعيد بن جبير قال صدق عكرمة، ويقال صالح المؤمنين يعني خيار أصحابه ثم قال { وَالْمَلَـئِكَةُ بَعْدَ ذٰلِكَ ظَهِيرٌ } يعني الملائكة أيضاً أنصار النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك يعني مع ذلك أعوان النبي - صلى الله عليه وسلم - .