التفاسير

< >
عرض

عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً
٥
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
٦
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٧
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٨
-التحريم

بحر العلوم

قال: { عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ } فخوفهن الله تعالى بفراق النبي - صلى الله عليه وسلم - إياهن وعسى من الله واجب يعني إن طلقكن عسى ربه { أَن يُبْدِلَهُ أَزْوٰجاً } قرأ نافع وأبو عمرو (يبدله) بتشديد الدال والباقون بالتخفيف ومعناهما واحد يقال بدل وأبدل { خَيْراً مّنكُنَّ مُسْلِمَـٰتٍ } يعني مستسلمات لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقال يعني معينات ثم قال { مُؤْمِنَـٰتٍ } يعني مصدقات في إيمانهن { قَـٰنِتَـٰتٍ } يعني مطيعات لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - { تَـٰئِبَـٰتٍ } يعني راجعات عن الذنوب { عَـٰبِدٰتٍ } يعني موحدات مطيعات { سَـٰئِحَـٰتٍ } يعني صائمات وقال أهل اللغة إنما سمي الصائم سائحاً لأن الذي يسيح للعبادة لا زاد معه يمضي نهاره لا يطعم شيئاً ولذلك سمي الصائم سائحاً { ثَيّبَـٰتٍ وَأَبْكَاراً } الثيبات جمع الثيب والأبكار جمع البكر وهن العذارى، ويقال: هذا وعد من الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يزوجه في الجنة والثيب هي آسية امرأة فرعون، والبكر هي مريم أم عيسى عليه السلام وهي ابنة عمران تكون وليته في الجنة، ويجتمع عليها أهل الجنة فيزوج الله تعالى هاتين المرأتين محمداً - صلى الله عليه وسلم - .
قوله تعالى { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ } يعني بعدوا أنفسكم عن النار بطاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - { وَأَهْلِيكُمْ } يعني أهليكم { نَارًا } بتعليمهم ما ينجيهم منها، وقال قتادة: مروهم بطاعة الله تعالى وانهوهم عن معصية الله وقال مجاهد يعني أَوصوا أهليكم بتقوى الله ويقال: أدبوهم وعلموهم خيراً تقوهم بذلك ناراً { وَقُودُهَا } يعني حطبها، والوقود: ما توقد به النار يعني حطبها { ٱلنَّاسُ } إذا صاروا إليها وحطبها { وَٱلْحِجَارَةُ } قبل أن يصير الناس إليها وهي حجارة الكبريت ثم قال { عَلَيْهَا مَلَـئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ } يعني على النار ملائكة موكلين غلاظ يعني أقوياء يعملون بأرجلهم كما يعملون بأيديهم { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ } يعني ليسوا كأعوان ملوك الدنيا يمتنعون بالرشوة ولكن يفعلون { مَا يُؤْمَرُونَ } يعني لا يفعلون غير ما أمرهم الله تعالى ثم قال { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ } يعني يقول لهم الملائكة يوم القيامة حين يعتذرون لا تعتذروا اليوم يعني لا يقبل منكم العذر { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } يعني تعاقبون بما كنتم تعملون في الدنيا من المعاصي ثم أمر المؤمنين بالتوبة عن الذنوب فقال { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } يعني صادقاً في توبته، ويقال: تنصحون لله فيها من غير مداهنة، وروى سماك ابن حرب عن النعمان بن بشير، قال: سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن التوبة النصوح فقال هو الرجل يتوب من عمل السوء ثم لا يعود إليه أبداً، وروي عن ابن عباس أنه قال توبة النصوح الندم بالقلب والاستغفار باللسان والإضمار أن لا يعود إليها، قرأ نافع وعاصم في إحدى الروايتين توبة نصوحاً بضم النون والباقون بالنصب فمن قرأ بالنصب فهو صفة التوبة يعني توبة بالغة في النصح، كما يقال: رجل صبور وشكور ومن قرأ بالضم يعني ينصحوا بها نصوحاً كما يقال نصحت له نصحاً ونصوحاً. ثم قال { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ } يعني يغفر لكم ما مضى من ذنوبكم إن تبتم { وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِىَّ } صار اليوم نصباً لنزع الخافض يعني يكفر عنكم في يوم لا يخزي الله النبي قال الكلبي يعني لا يعذب الله النبي ويقال يوم لا يخزيه فيما أراد من الشفاعة وغيره وتم الكلام ثم قال: { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } يعني على الصراط وروى الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال
"من المؤمنين من نوره أبعد ما بيننا وبين عدن أبين ومنهم من نوره لا يجاوز قدميه" فقال: { نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } يعني: يضيء بين أيديهم { وَبِأَيْمَـٰنِهِم } يعني عن أيمانهم وعن شمائلهم على وجه الإضمار { يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } ذلك حين طفئت أنوار المنافقين أشفق المؤمنون على نورهم ويتفكرون فيما مضى منهم من العذاب فيقولون ربنا أتمم لنا نورنا يعني احفظ علينا نورنا { وَٱغْفِرْ لَنَا } ما مضى من ذنوبنا { إِنَّكَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } من إتمام النور والمغفرة.