التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
١٢
وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
١٣
أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ
١٤
هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ
١٥
ءَأَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ
١٦
أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ
١٧
وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ
١٨
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ
١٩
أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ
٢٠
-الملك

بحر العلوم

فقال عز وجل { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } يعني يخافون الله تعالى ويخافون عذابه الذي هو { بِٱلْغَيْبِ } فهو عذاب يوم القيامة { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } يعني مغفرة لذنوبهم { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } يعني ثواباً عظيماً في الجنة ثم قال { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ } اللفظ لفظ الأمر والمراد به الخبر يعني إن أخفيتم كلامكم في أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - أو جهرتم به { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } يعني بما في القلوب من الخير والشر وذلك أن جماعة من الكفار كانوا يتشاورون فيما بينهم فقال بعضهم لبعض لا تجهروا بأصواتكم فإن رب محمد يسمع فيخبره.
قال الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - قل لهم يا محمد أسروا قولكم أو اجهروا به فإِنه يعلم به ثم أخبر بما هو أخفى من هاتين الحالتين فقال إنه عليم بذات الصدور يعني فكيف لا يعلم قول السر ثم قال عز وجل { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ } يعني ألا يعلم السر من خلق السر يعني هو خلق السر في قلوب العباد فكيف لا يعلم بما في قلوب العباد ثم قال { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } يعني: لطف علمه بكل شيء يعني يرى أثر كل شيء بما في القلوب من الخير والشر ويقال لطيف يرى أثر النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء (خبير) يعني عالم بأفعال العباد وأقوالهم. ثم ذكر نعمه على خلقه ليعرفوا نعمته فيشكروه ويوحدوه فقال { هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً } يعني خلق لكم الأرض ذلولاً ومدها وذللها وجعلها لينة لكي تزرعوا فيها وتنتفعوا منها بألوان المنافع { فَٱمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا } يعني لكي تمشوا في أطرافها ونواحيها وجبالها وهذا خبر بلفظ الأمر وقال القتبي فامشوا في مناكبها يعني جوانبها ومنكبا الرجل جانباه وقال قتادة مناكبها جبالها قال وكان لبشر بن كعب سرية فقال لها إن أخبرتيني ما مناكب الأرض فأنت حرة لوجه الله فقالت مناكبها جبالها فصارت حرة - فأراد أن يتزوجها فسأل أبو الدرداء فقال له دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ويقال هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً أي سهل لكم السلوك فامشوا في مناكبها أي - تمشون فيها { وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ } يعني تأكلون من رزق الله تعالى وتشكرونه { وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ } يعني إلى الله تبعثون من قبوركم ويقال معناه هو الذي ذلل لكم الأرض قادر على أن يبعثكم لأنه ذكر أولاً خلق السماء ثم ذكر خلق الأرض ثم ذكر النشور ثم خوفهم فقال عز وجل { ءامَنْتُمْ مَّن فِى ٱلسَّمَاءِ } قال الكلبي ومقاتل يعني أمنتم عقوبة من في السماء يعني الرب تعالى إن عصيتموه ويقال هذا على الاختصار ويقال أمنتم عقوبة من هو جار حكمه في السماء.
قرأ أبو عمرو ونافع آمنتم بالمد والباقون بغير مد بهمزتين ومعناهما واحد وهو الاستفهام والمراد به التوبيخ وقرأ ابن كثير بهمزة واحدة بغير مد على لفظ الخبر { أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ } يعني يغور بكم الأرض كما فعل بقارون { فَإِذَا هِىَ تَمُورُ } يعني تدور بكم إلى الأرض السفلى { أَمْ أَمِنتُمْ مّن فِى ٱلسَّمَاء } يعني عذاب من في السماء { أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَـٰصِباً } يعني حجارة كما أرسلنا إلى قوم لوط وقال القتبي أم على وجهين مرة يراد بها الاستفهام كقوله - (أم يحسدون الناس) ومرة يراد بها "أو" كقوله (أم أمنتم) ويعني أو أمنتم وهذا كقوله
{ { أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } [الإسراء:68] ثم قال { فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } يعني تعبيري عليهم بالعذاب ويقال معناه سيظهر لكم كيف عذابي ثم قال { وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } يعني الأمم الخالية كذبوا رسلهم { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } يعني كيف كانت عقوبتي إياهم وإنكاري لهم ثم قال { أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ } يعني أو لم يعتبروا في خلق الله تعالى كيف خلق الطيور { فَوْقَهُمْ صَــٰفَّـٰتٍ } يعني باسطات أجنحتها في الهواء { وَيَقْبِضْنَ } يعني ويضممن أجنحتهن ويضربن بها { مَا يُمْسِكُهُنَّ } يعني ما يحفظهن في الهواء عند القبض والبسط { إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلّ شَىْء بَصِيرٌ } يعني عالماً بصلاح كل شيء.