التفاسير

< >
عرض

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ
٧
فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ
٨
وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ
٩
وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ
١٠
هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ
١١
مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ
١٢
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ
١٣
أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ
١٤
إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
١٥
سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ
١٦
-القلم

بحر العلوم

قال { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ } يعني: هو عالم بمن أخطأ الطريق عن دينه { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } لدينه ثم قال { فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذّبِينَ } وذلك أنهم كانوا يدعونه إلى دين آبائه فأمره الله تعالى أن يثبت على دينه فقال لا تطع المكذبين بوحدانية الله تعالى { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } قال مجاهد ودوا لو تركن إليهم وتترك ما أنت عليه من الحق فيميلون إليك، وقال السدي ودوا لو تكفر فيكفرون وقال القتبي ودوا لو تداهن في دينك فيداهنون في أديانهم، وكانوا أرادوا أن يعبدوا آلهتهم مدة ويعبدون الله مدة ثم قال: { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } يعني: كذاباً في دين الله، والحلاف مكثار الحلف، مهين ضعيف فاجر نزلت في الوليد بن المغيرة، وقال القتبي، المهين الحقير الدنيء وقال الزجاج وهو فعيل من المهانة وهي القلة ومعناه في هذا الموضع القلة في الرأي والتمييز ثم قال { هَمَّازٍ } يعني؛ الوليد بن المغيرة طعان لعان مغتاب { مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } يعني: يمشي بين الناس بالنميمة وقال القتبي هماز يعني عياب ثم قال { مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ } يعني: بخيلاً لا ينتفع بماله لنفسه وكان ينفق أمواله على غيره ويقال معناه مناع للخير يعني: التوحيد ويمنع الناس عن التوحيد { مُعْتَدٍ } يعني ظلوماً لنفسه { أَثِيمٍ } يعني: فاجراً قوله تعالى { عُتُلٍّ } يعني؛ شديد الخصومة بالباطل ويقال: عتل يعني أكول شروب صحيح الجسم رحيب البطن { بَعْدَ ذَلِكَ } يعني مع ذلك { زَنِيمٍ } يعني: ملصق، وقال ابن عباس الزنيم الدعي الملصق ويستدل بقول القائل:

زنيم تداعاه الرجال زيادةكما زيد في عرض الأديم الأكارع

ويقال الزنيم الشديد الخلق، وروى شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا العتل الزنيم قال أما الجواظ فالذي جمع ومنع وتدعوه لظى َنزاعة للشوى" أي الشديد الخلق رحيب الجوف وأما الجعظري فالفظ الغليظ وأما العتل الزنيم صحيح أكول شروب ظلوم للناس، ويقال الزنيم الدعي وذكر أنه لما نزلت هذه الآية قال لأمه إن محمداً لصادق وأنه قال كذا وكذا فأقرت والدته له بذلك ثم قال { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ } يعني: فلا تطعه وإن كان ذا مال وبنين يعني لا تطعه بسبب ماله ثم قال { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءايَـٰتُنَا } يعني القرآن { قَالَ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } يعني: كذبهم وأباطيلهم وقال السدي يعني أساجيع الأولين ثم قال { سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ } يعني: سنضربه على الوجه، ويقال سنسود وجهه يوم القيامة ويقال: سنسمه على أنفه وقال القتبي: للعرب في هذا مذاهب يقولون للرجال إذا سبه سبة قبيحة أو يثني عليه فاحشة قد وسم ميسم سوء يريد أنه ألصق به عاراً لا يفارقه كما أن السمة لا يعفو أثرها وقد وصف الله تعالى الوليد بالحلف والمهانة والمشي بالنميمة والبخل والظلم والإثم والدعوى فألحق به العار لا يفارقه في الدنيا والآخرة قال والذي يدل على هذا ما روي عن الشعبي في قوله عتل بعد ذلك زنيم يعني القتل الشديد والزنيم له زنمة من الشر يعرف بها كما تعرف الشاة.