التفاسير

< >
عرض

إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ
١٧
وَلاَ يَسْتَثْنُونَ
١٨
فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ
١٩
فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ
٢٠
فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ
٢١
أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ
٢٢
فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ
٢٣
أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ
٢٤
وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ
٢٥
فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ
٢٦
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ
٢٧
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ
٢٨
قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
٢٩
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ
٣٠
قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ
٣١
عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ
٣٢
كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٣٣
-القلم

بحر العلوم

قال: { إِنَّا بَلَوْنَـٰهُمْ } يعني: اختبرنا أهل مكة بترك الاستثناء ويقال ابتليناهم بالجوع والشدة ثم قال { كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ } يعني: أهل ضيروان وهي قبيلة باليمن. وروى أسباط عن السدي قال كان قوم باليمن وكان أبوهم رجلاً صالحاً وكان إذا بلغ ثماره فأتاه المساكين فلم يمنعهم من دخولها وأن يأكلوا منها وأن يتزودوا فيها فلما مات أبوهم قال بنوه بعضهم لبعض على ما نعطي أموالنا هؤلاء المساكين فقالوا فلندع من يصرفها قبل أن يعلم المساكين ولم يستثنوا فانطلقوا وهم يتخافتون ويقول بعضهم لبعض خفياً أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين فذلك قوله: { إِذْ أَقْسَمُواْ } يعني حلفوا فيما بينهم { لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } يعني: ليُجدنَّها وقت الصبح أي ليقطعنها قبل أن يخرج المساكين { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } يعني: لم يقولوا إن شاء الله تعالى وروي في الخبر أن أباهم كان إذا أراد أن يصرم النخل اجتمع هناك مساكين كثيرة وقد جعل له علامة فكل ثمرة تسقط وراء العلامات كانت للمساكين فكانوا يأخذون الثمر قدر ما يتزودون به أياماً كثيرة فلما مات الرجل قال بنوه فيما بينهم إن أبانا كان عياله أقل وحاجته أقل فصار عيالنا أكثر وحاجتنا أكثر فخرجوا بالليل كي لا يشعر بهم المساكين فاحترقت نخيلهم في تلك الليلة فذلك قوله: { فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ } يعني: بعث الله تعالى ناراً على حديقتهم بالليل والطائف الذي أتاك ليلاً فأحرقها وهم نائمون { مِّن رَّبّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } يعني صارت الحديقة كالليل المظلم، وقال القتبي الصريم من أسماء الأضداد يسمى الليل صريماً والصبح صريماً لأن الليل ينصرم عن النهار والنهار ينصرم عن الليل ويقال الصريم يعني ذهب ما فيها فكأنه صرم أي قطع وجز. ثم قال { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } يعني: نادى بعضهم لبعض { أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ } يعني: اخرجوا بالغداة جذوا زروعكم وصرام نخيلكم { إِن كُنتُمْ صَـٰرِمِينَ } يعني: إن أردتم أن تصرموها قبل أن يحضرها المساكين { فَٱنطَلَقُواْ } يعني: ذهبوا إِلى نخيلهم { وَهُمْ يَتَخَـٰفَتُونَ } يعني: يتشاورون فيما بينهم بكلام خفي { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مّسْكِينٌ وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ } قال مقاتل: يعني على جد في أنفسهم { قَـٰدِرِينَ } على جنتهم وقال الزجاج: معناه على قصد وقال القتبي: الحرد: المنع، ويقال الحرد: القصد قادرين: واجدين، ويقال على قوة ونشاط، ويقال على طريق جنتهم، ويقال الحرد اسم تلك الجنة { فَلَمَّا رَأَوْهَا } يعني: رأوها يعني: أتوها ورأوها مسودة أنكروها { قَالُواْ إِنَّا لَضَالُّونَ } يعني: أخطأنا الطريق وليست هذه جنتنا فلما تفحصوا وعلموا أنها جنتهم وأنها عقوبة لهم فقالوا { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } يعني: حُرِمْنا منفعتها { قَالَ أَوْسَطُهُمْ } يعني: أعدلهم وأعقلهم { أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبّحُونَ } يعني: هلا تستثنون في أيمانكم ويقال: كان استثناؤهم التسبيح يعني: لولا قلتم سبحان الله؟ فندموا على فعلهم { قَالُواْ سُبْحَـٰنَ رَبّنَا } يعني: نزهوه وعظموه تائبين عن ذنوبهم ويقال نستغفر ربنا { إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ } يعني: ضارين بأنفسنا بمنعنا المساكين { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَـٰوَمُونَ } يعني: جعل يلوم بعضهم بعضاً لصنيعهم ذلك ثم { قَالُواْ } بأجمعهم { يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَـٰغِينَ } يعني: عاصين بمنعنا المساكين ثم قالوا: { عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مّنْهَا } يعني: يعوضنا خيراً منها في الجنة { إِنَّا إِلَىٰ رَبّنَا رٰغِبُونَ } يعني: راجين مما عنده قال الله تعالى { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ } يعني: هكذا عذاب الدنيا لمن منع حق الله تعالى: { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ } لمن لم يتب ولم يرجع عن ذنبه ويقال: هكذا العذاب في الدنيا لأهل مكة بالجوع ولعذاب الآخرة أعظم { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } يعني: لو كانوا يفقهون ويقال لو كانوا يصدقون، ثم ذكر ما للمتقين من الثواب.