التفاسير

< >
عرض

فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ
٤٤
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ
٤٥
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ
٤٦
أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ
٤٧
فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ
٤٨
لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ
٤٩
فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ
٥٠
وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ
٥١
وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ
٥٢
-القلم

بحر العلوم

قال عز وجل: { فَذَرْنِى وَمَن يُكَذّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } يعني: دع هؤلاء الذين لا يؤمنون بالقرآن ويقال فوض أمرهم إليَّ فإني قادر على أخذهم متى شئت { سَنَسْتَدْرِجُهُم } يعني: سنأخذهم وسنأتيهم بالعذاب { مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني: نذيقهم من العذاب درجة من حيث لا يعلمون أن العذاب نازل بهم وأصله في اللغة من الارتقاء في الدرجة وقال السدي: كلما جددوا معصية جدد لهم نعمة وأنساهم شكرها فذلك الاستدراج { وَأُمْلِى لَهُمْ } يعني: أمهل لهم وأؤجل لهم إلى وقت { إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ } يعني: عقوبتي شديدة إذا نزلت بهم لا يقدرون على دفعها ثم قال { أَمْ تَسْـئَلُهُمْ أَجْراً } يعني: أتسألهم على الإيمان جملاً { فَهُم مّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } يعني لأجل الغرم يمتنعون وهذا يرجع إلى قوله أم لكم كتاب فيه تدرسون ثم قال { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ } يعني: اللوح المحفوظ { فَهُمْ يَكْتُبُونَ } يعني: ما يقولون ثم قال عز وجل: { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ } يعني على ما أمر ربك ولقضاء ربك { وَلاَ تَكُن كَصَـٰحِبِ ٱلْحُوتِ } يعني: لا تكن في قلة الصبر والضجر مثل يونس عليه السلام { إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } يعني: مكروباً في بطن الحوت وقال الزجاج مكظوم أي مملوء غماً { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مّن رَّبّهِ } يعني: لولا النعمة والرحمة التي أدركته من الله تعالى { لَنُبِذَ بِٱلْعَرَاء } يعني: لطرح بالصحراء والصحراء هي الأرض التي لا يكون فيها نخل ولا شجر يوارى فيها { وَهُوَ مَذْمُومٌ } يعني: يذم ويلام ولكن كان رحمة من الله تعالى حيث نبذ بالعراء وهو سقيم وليس بمذموم قوله تعالى: { فَٱجْتَبَـٰهُ رَبُّهُ } يعني: اختاره ربه للنبوة { فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } يعني: من المرسلين كقوله (وإن يونس لمن المرسلين) ثم قال عز وجل: { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني: أراد الذين كفروا { لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَـٰرِهِمْ } يعني: ليرهقونك بأبصارهم إن قدروا على ذلك ويقال معناه إذا قرأت القرآن فينظرون إليك نظراً شديداً بالعداوة يكاد يزلقك أي بالعداوة يسقطك من شدة النظر وذكر عن الفراء أنه قال: ليزلقونك بأبصارهم يعني: يعتانونك يعني: يصيبونك بعيونهم وذلك أن رجلاً من العرب كان إذا أراد أن يعتان شيئاً يقبل على طريق الإبل إذا صدرت عن الماء فيصيب منها ما أراد بعينه فأرادوا أن يصيبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال الكلبي ليزلقونك يعني ليصرعونك { لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِكْرَ } يعني: قراءتك القرآن { وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ } يعني: ما هذا القرآن إلاَّ عظة للجن والإنس ويقال عز وشرف للعالمين - قرأ حمزة وعاصم في رواية أبي بكر (آن كان ذا مال وبنين) بهمزتين والباقون بهمزة واحدة إلا ابن عامر فإنه يقرأ آن كان بالمد فمن قرأ بهمزتين فالألف الأولى للاستفهام والثانية ألف إن ومن قرأ بهمزة واحدة معناه لأن كان ذا مال أي لا تطعه لماله وتحمل لأن كان ذا مال قال أساطير الأولين قرأ نافع ليزلقونك بنصب الياء والباقون بالضم وهما لغتان ومعناهما واحد. والله أعلم بالصواب.