التفاسير

< >
عرض

يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ
١٨
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ
١٩
إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ
٢٠
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ
٢١
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ
٢٢
قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ
٢٣
كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ
٢٤
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ
٢٥
وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ
٢٦
يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ
٢٧
مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ
٢٨
هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ
٢٩
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ
٣٠
ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ
٣١
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ
٣٢
إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ
٣٣
وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ
٣٤
فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ
٣٥
وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ
٣٦
لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَاطِئُونَ
٣٧
-الحاقة

بحر العلوم

قال عز وجل: { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ } أي تساقون إلى الحساب والقصاص وقراءة الكتب، ويقال تعرضون على الله تعالى كقوله { { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَا } [الكهف:48] ثم قال: { لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ } يعني لا يخفى على الله منكم ولا من أعمالكم شيء قرأ حمزة والكسائي (لا يخفى) والباقون بالتاء بلفظ التأنيث لأن لفظ خافية مؤنث ومن قرأ بالياء انصرف إلى المعنى يعني لا يخفى منكم خاف والهاء ألحقت للمبالغة ثم قال عز وجل: { فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ } يعني: كتابه الذي عمله فرأى فيه الحسنات فسر بذلك { فَيَقُولُ } لأصحابه { هَاؤُمُ } يعني تعالوا { ٱقْرَؤُاْ كِتَـٰبيَهْ } قال القتبي هاؤم في اللغة بمنزلة خذ وتناول ويقال للاثنين هاؤما وللجماعة هاؤموا والأصل هاكم فحذفوا الكاف وأبدلوها همزة، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال بلغني أنهم يعرضون ثلاث عرضات فأما عرضتان فهما الخصومات والمعاذير وأما الثالثة فتطاير الصحف في الأيدي، وروى عبد الله بن مسعود نحو هذا ثم قال: { إِنّى ظَنَنتُ أَنّى مُلَـٰقٍ حِسَابِيَهْ } يعني: أيقنت وعلمت أني أحاسب قال الله تعالى - { فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } يعني: في عيش مرضي { فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } يعني مرتفعة { قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } يعني اجتناء ثمارها قريب يعني شجرها قريب يتناوله القائم والقاعد فيقال لهم { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً } يعني كلوا من ثمار الجنة واشربوا من شرابها هينئاً يعني طيباً بلا داء، ويقال حلال لا إثم فيه { بِمَا أَسْلَفْتُمْ } يعني: بما عملتم وقدمتم { فِى ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } يعني: في الدنيا، ويقال بما عملتم من الأعمال الصالحة في الأيام الماضية يعني في الدنيا { وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِشِمَالِهِ } روي عن ابن عباس أنه قال: الآية الأولى نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد وهذه الآية في الأسود بن عبد الأسد، ويقال في جميع المؤمنين وفي جميع الكفار { فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَـٰبِيَهْ } يعني: لم أعط كتابيه { وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } يعني: لم أعلم ما حسابي قوله تعالى: { يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } يا ليتني تركت على الموتة الأولى بين النفختين، ويقال يا ليتها كانت القاضية يعني المنية، قال مقاتل: يتمنى الموت { مَا أَغْنَىٰ عَنّى مَالِيَهْ } يعني ما أرى ينفعني مالي الذي جمعت في الدنيا { هَلَكَ عَنّى سُلْطَـٰنِيَهْ } يعني: بطل عني عذرِي وحجتي يقول الله تعالى { خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } يعني؛ بالأغلال الثّقال { ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } يعني أدخلوه { ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاْسْلُكُوهُ } يعني: أدخلوه في تلك السلسلة { إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ } يعني: لا يصدق بالله العظيم { وَلاَ يَحُضُّ } يعني لا يحث نفسه ولا غيره { عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } يعني؛ لا يطعم المسكين في الدنيا { فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَـٰهُنَا حَمِيمٌ } يعني: قريب يمنع منه شيئاً يعني أحداً يمنع من العذاب { وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } يعني؛ ليس له فيها طعام إلا من غسلين، وروى عكرمة عن ابن عباس قال لا أدري ما الغسلين، وروي عنه أنه قال الغسلين ما يسقط عن عروقهم وذاب من أجسادهم، وقال القتبي هو فعلين من غسلت فكأنه غسالة { لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَـٰطِئُونَ } يعني: المشركين وروى عكرمة عن ابن عباس أن رجلاً قرأ عنده لا يأكله إلا الخاطئون وقال ابن عباس كلنا نخطىء ولكن لا يأكله إلا الخاطئون يعني: العاصين الكافرين.