التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ
١١
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ
١٢
قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ
١٣
قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
١٤
قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ
١٥
قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ
١٦
ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ
١٧
قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ
١٨
-الأعراف

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَـٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـٰكُمْ } أي: خلقنا آدم وأنتم من ذريته، ثم صورناكم (يعني ذريته ويقال خلقناكم يعني آدم خلقه من تراب ثم صورناكم) يعني آدم صوره بعد ما خلقه من طين. ويقال خلقناكم نطفاً في أصلاب الآباء ثم صورناكم في أرحام الأمهات. { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ } على وجه التقديم، أي وقلنا للملائكة { ٱسْجُدُواْ لآِدَمَ } "ثُمَّ" بمعنى الواو، ويقال معناه خلقناكم وصورناكم وقلنا للملائكة اسجدوا لآدم. وهي سجدة التحية لا سجدة الطاعة. فالعبادة لله تعالى والتحية لآدم عليه السلام. { فَسَجَدُواْ إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ } أي لم يسجد مع الملائكة. لآدم عليه السلام { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } يعني أن تسجد، ولا زيادة، ومعناه ما منعك عن السجود إذ أمرتك بالسجود لآدم. { قَالَ } إبليس عليه اللعنة إنما لم أسجد لأنّي { أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } أي: هذا الذي منعني عن السجود. فاشتغل اللعين بالقياس، والقياس (في موضع النص) باطل، لأنه لما أقر بأنه هو الذي خلقه فقد أقر بأن عليه واجب، وعليه أن يأتمر بأمره. ومع ذلك لو كان القياس جائزاً (في موضع النص) فإن قياسه فاسداً، لأن الطين أفضل من النار لأنّ عامة الثمار والفواكه والحبوب تخرج من الطين، ولأن العمارة من الطين والنار للخراب. ثم قال له عز وجل { فَٱهْبِطْ مِنْهَا } قال مقاتل أي اهبط من الجنة { فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } أي في الجنة. وقال الكلبي: فاهبط منها، أي اخرج من الأرض والحق بجزائر البحور ولا تدخل الأرض إلا كهيئة السارق، وعليه ذل الخوف وهو يروغ فيها فما يكون لك أن تتكبر فيها (لا) ينبغي لك أن تتكبر في هذه الأرض على بني آدم { فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّـٰغِرِينَ } يعني من المهانين المذلين { قَالَ أَنظِرْنِى إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } يعني أجلني إلى يوم البعث، اليوم الذي يخرج الناس من قبورهم. قال ابن عباس: أراد الخبيث ألا يذوق الموت فأبى الله تعالى أن يعطيه ذلك فـ { قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلمُنظَرِينَ } إلى النفخة الأولى، فحينئذ يذوق الموت وتصيبه المرارة بعدد الأولين والآخرين. قوله تعالى: { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى }. قال الكلبي: أي فكما أضللتني. وقال مقاتل: يعني أما إذا أضللتني وقال بعضهم: فبما أغويتني يعني فبما دعوتني إلى شيء غويت به. { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } يعني لأقعدن لهم على طريقك المستقيم، وهو دين الإسلام فأصد الناس عن ذلك. { ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } روى أسباط عن السدي قال: من بين أيديهم الدنيا أدعوهم إليها { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } الآخرة أشككهم فيها { وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ } قال الحق: أشككهم فيه { وَعَن شَمَائِلِهِمْ } قال الباطل أخففه عليهم وأرغبهم فيه. وقال في رواية الكلبي: ثم لآتينهم من بين أيديهم من أمر الآخرة، فأزين لهم التكذيب بالبعث بأنه لا جنة ولا نار، ومن خلفهم من أمر الدنيا فأزينها في أعينهم وأرغبهم فيها، فلا يعطون حقاً، عن أيمانهم أي: من قبل دينهم فإن كانوا على الضلالة زينتها لهم وإن كانوا على الهدى شبهته عليهم حتى يشكوا فيه، وعن شمائلهم من قبل اللذات والشهوات. ويقال: معناه لآتينهم بالإضلال من جميع جهاتهم، ويقال: عن أيمانهم فيما أمروا به. وعن شمائلهم فيما نهوا عنه. ويقال وعن أيمانهم وعن شمائلهم أي فيما يعملون لأنه يقال عملت بذلك { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ } يعني ذرية آدم لا يكونون شاكرين لنعمتك، ويقال شاكرين مؤمنين. وقال في آية أُخرى: { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ } [سبأ: 13] { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } [سبأ:20] قوله: { قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤومًا مَّدْحُورًا } قال الكلبي ومقاتل: يعني اخرج من الجنة مذؤوماً أي معيباً مدحوراً أي مطروداً. وقال الزجاج: مذؤوماً أي مذموماً. يقال: دأمت الرجل وذممته إذا عبته. مدحوراً أي مبعداً من رحمة الله تعالى { لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } أي: "مَنْ" أطاعك فيما دعوته إليه، و"اللام" زيادة للتأكيد { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } أي ممن أطاعك منهم، من الجن والإنس. ويكون هذا اللفظ بمعنى القسم والتأكيد وأنه يفعل ذلك لا محالة.