التفاسير

< >
عرض

وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ
١٧٥
وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
١٧٦
سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ
١٧٧
مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
١٧٨
-الأعراف

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ } أَي: إن لم يرجعوا بذكر الميثاق ولم يتوبوا ولم يتعظوا فاتل عليهم { نَبَأَ ٱلَّذِي ءاتَيْنَـٰهُ } أي: خبر الذي أعطيناه { ءايَـٰتِنَا } يعني أكرمناه باسم الله الأعظم، ويقال: آتيناه آياتنا يعني الكتاب وهي علم التوراة وغيره { فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا } يعني: خرج منها كما تنسلخ الحية من جلدها، ويقال تهاون بها ولم يعرف حقها ولا حرمتها وخرج منها { فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } يقول غره الشيطان { فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } أي: فصار من الظالمين وفي الضالين. قال بعضهم هو بلعم بن باعوراء، كان عابداً من عباد بني إسرائيل وكان مستجاب الدعوة فنزع الله تعالى الإيمان عنه بدعاء موسى عليه السلام. وذلك أن موسى عليه السلام قاتل فرعوناً من الفراعنة، فجمع ذلك الفرعون الكهنة والسحرة فقال لهم أعينوني على هؤلاء. يعني قوم موسى، فقالوا لن تستطيعهم ولكن بجوارك رجل منهم فلو بعثت إليه واستعنت به، فبعث الملك إلى بلعم فلم يجبه فبعث الملك إلى امرأة بلعم الهدايا وطلب منها بأن تأمره بأن يجيب الملك، فجاءته "امرأته" وقالت نحن في جوار هذا الملك فلا بد لك من إجابته، فأجابهم إلى ذلك وركب أتاناً له وخرج إليهم فسار حتى إذا كان في بعض الطريق وقفت أتانه فضربها، فلما ألح عليها كلمته الأتان وقالت أنظر إلى ما بين يديك فنظر فإذا هو جبريل. قال له خرجت مخرجاً ما كان ينبغي لك أن تخرج، فإذا خرجت فقل حقاً. قال فلما قدم عليه أمر له بالذهب والفضة والخدم والفرش فقبل. فقال له قد دعوتك لتدعو لي على هذا العسكر دعوة قال غداً، فلما تلاقى القوم، قال بلعم: إن بني إسرائيل أمة موسى ملعون من لعنهم ومبارك من بارك عليهم. فقالوا له ما زدتنا إلا خبالاً. قال بلعم ما استطعت غير ما رأيت. ولكني أدلك على أمر إن فعلته فوقعوا به خُذِلوا ونصرت عليهم، تعمد إلى نساء حسان فتجعل عليهم الحلي والثياب والعطر ثم ترسلهن في عسكرهم، فإن وقعوا بهن خذلوا، ففعل ذلك فما تعرض لهن منهم إلا سفهاؤهم فخذلوا. فأخبر بذلك موسى فدعا عليه فنزع الله منه الإيمان. "وقال بعضهم إنما هو أمية بن أبي الصلت. قرأ الكتب ورغب عن عبادة الأوثان وكان يخبر أنَّ نبينا يبعث وكان قد أظل زمانه، وكان يرى أن الوحي ينزل عليه لكثرة علمه، فلما سمع بخروج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقصته كفر حسداً له. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع شعره قال: آمن لسانه وكفر قلبه" فذلك قوله آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين. ثم قال { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَـٰهُ بِهَا } يعني بالآيات، ويقال: رفعناه في الآخرة بما علمناه من آياتنا { وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ } يعني أمية بن أبي الصلت أو بلعم بن باعوراء، مال إلى الدنيا ورضي بها { وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } أي: هوى نفسه ويقال عمل بهوى المرأة وترك رضى الله، ويقال: أخذ مسافل الأمور وترك معاليها { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ } يقول مثل بلعم كمثل الكلب { إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ } يقول إن طردته فهو يلهث { أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } يعني: وإن تركته فهو يلهث. قال القتبي: كل شيء يلهث من إعياء أو عطش ما خلا الكلب فإنه يلهث في حال الراحة والصحة والمرض، فضرب الله تعالى به مثلاً، يعني كما إن الكلب إن طردته أو تركته يلهث فكذلك بلعم أو أمية بن أبي الصلت إن وعظته لم يتعظ وإن تركته لم يفعل. وقال مجاهد: يعني الكفار إن قرىء عليهم الكتاب لم يقبلوا وإن لم يقرأ عليهم لم يعملوا هم أهل مكة { ذٰلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـآيَـٰتِنَا } يعني ذلك صفة الذين جحدوا نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - والقرآن { فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ } أي: اقرأ عليهم القرآن { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } أي: لكي يتعظوا بأمثال القرآن ويؤمنوا به قوله تعالى: { سَاءَ مَثَلاً } يعني: بئس مثل { ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا } يعني بئس مثل من كان مثل الكلب. وإنما ضرب المثل بالكلب تقبيحاً لمذهبهم. ويقال: بئس مثل القوم الذين كذبوا وكانت صفتهم مثل صفة بلعم وهم أهل مكة كذبوا بآياتنا فلم يؤمنوا بها مثل بلعم { وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ } يعني: يضرون بأنفسهم. ثم قال تعالى: { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي } يعني: من يهده الله لدينه فهو المهتدي من الضلالة { وَمَن يُضْلِلِ } يعني ومن يضله عن دينه ويخذله { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } بالعقوبة.