التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً
١٥
وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً
١٦
وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً
١٧
ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً
١٨
وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً
١٩
لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً
٢٠
قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً
٢١
وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً
٢٢
وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً
٢٣
وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً
٢٤
مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً
٢٥
وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً
٢٦
إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً
٢٧
رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً
٢٨
-نوح

بحر العلوم

ثم وعظهم ليعتبروا فقال عز وجل { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ } يعني ألم تنظروا فتعتبروا كيف خلق الله تعالى { سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ طِبَاقاً } يعني مطبقاً بعضها فوق بعض { وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً } يعني ضياءاً لبني آدم وإنما قال فيهن أراد به سماء الدنيا لأنها إحداهن { وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } يعني نوراً للخلق، ويقال جعل القمر فيهن نوراً يعني في جميع السماوات لأن إحداهن مضيء لأهل السماوات وظهره لأهل الأرض، ويقال وجعل القمر فيهن نوراً يعني معهن نوراً ثم قال عز وجل { وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } يعني خلقكم في الأرض خلقاً، ويقال يعني خلقكم من الأرض وهو آدم عليه السلام وأنتم من ذريته { ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا } يعني بعد الموت { وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً } يعني يخرجكم من الأرض يوم القيامة قوله تعالى { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً } يعني فراشاً { لّتَسْلُكُواْ مِنْهَا } يعني فتمضوا فيها وتأخذوا فيها { سُبُلاً فِجَاجاً } يعني طرقاً بين الجبال والرمال، ويقال طرقاً واسعة قوله تعالى { قَالَ نُوحٌ رَّبّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِىٰ } فيما أمرتهم من توحيد الله تعالى { وَٱتَّبِعُـواْ } يعني أطاعوا { مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ } يعني أطاعوا من لم يزده ماله يعني كثرة أمواله { وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } أي خسراناً في الآخرة { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } يعني مكراً عظيماً، ويقال مكروا مكراً كبيراً ويعني قالوا كلمة الشرك والكبير والكبار بمعنى واحد { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ ءالِهَتَكُمْ } يعني قال بعضهم لبعض ويقال قال الرؤساء للسفلة لا تذرن يعني لا تتركوا عبادة آلهتكم { وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } فهذه أسماء الأصنام التي كانوا يعبدونها يعني لا تتركوا عبادة هذه الأصنام، قرأ نافع وداً بضم الواو والباقون بالنصب ومعناهما واحد وهو اسم الصنم، وقال قتادة: هذه الآلهة كان يعبدها قوم نوح ثم عبدها العرب بعد ذلك وقال القتبي الود صنم، ومنه كانت العرب تسمي عبد ود وكذلك تسمى عبد يغوث.
ثم قال: { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً } يعني: هذه الأصنام أضلوا كثيراً من الناس يعني: ضلوا بهن كثيراً من الناس كقوله: { إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كثيراً من الناس ثم قال: { وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً } يعني: خساراً وغبناً ثم قال عز وجل: { مّمَّا خَطِيئَـٰتِهِمْ أُغْرِقُواْ } (يعني: بشركهم بالله تعالى أُغرقوا في الدنيا) { فَأُدْخِلُواْ نَاراً } في الآخرة، قال مقاتل: مما خطيئاتهم أغرقوا بخطياتهم، وقال القتبي: بما خطياتهم أغرقوا يعني من خطيئاتهم أغرقوا والميم زيادة ثم قال: { فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً } يعني: أعواناً يمنعونهم من العذاب قرأ أبو عمرو خطاياهم والباقون خطيئاتهم ومعناهما واحد وهو جمع خطيئة قوله تعالى: { وَقَالَ نُوحٌ رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّاراً } يعني: لا تدع على ظهر الأرض من الكافرين دياراً يعني: أحداً منهم، ويقال: أصله من الدار يعني نازلاً بها، ويقال في الدار أحد، وما بها ديار، وأصله ديوار فقلبت الواو، ياء ثم شدِدت وأدغمت الياء في الياء ثم قال عز وجل: { إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ } يعني: إنك إن تتركهم ولم تهلكهم يدعوا الموحدين إلى الكفر { وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } يعني: يكون منهم الأولاد يكفرون، ويفجرون بعد البلوغ، ويقال: يعني ولا يلدوا إلا أن يكونوا فجاراً كفاراً، وهذا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -
"الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره" ثم قال عز وجل: { رَّبّ ٱغْفِرْ لِى وَلِوٰلِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِناً } يعني: سفينتي وديني وقال الكلبي، ولمن دخل بيتي مؤمناً يعني: مسجدي { وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً } يعني: لا تزد الكافرين إلا هلاكاً كقوله تبرناهم تتبيراً وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه كان إذا قرأ القرآن في الليل فمر بآية فيقول لي يا عكرمة ذكرني عند هذه الآية غداً فقرأ ذات ليلة هذه الآية فقال يا عكرمة ذكرني غداً فذكرته ذلك فقال إن نوحاً دعا بهلاك الكافرين، ودعا للمؤمنين بالمغفرة وقد استجيب دعاؤه في المؤمنين فيغفر الله تعالى للمؤمنين والمؤمنات بدعائه وبهلاك الكافرين فأهلكوا، وروي عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "نجاة المؤمنين في ثلاثة أشياء بدعاء نوح عليه السلام، وبدعاء إسحاق عليه السلام وبشفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم -" يعني: للمؤمنين والله أعلم.