التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً
٥
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً
٦
وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً
٧
وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً
٨
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً
٩
وَأَنَّا لاَ نَدْرِيۤ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً
١٠
وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً
١١
وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً
١٢
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً
١٣
وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً
١٤
وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً
١٥
وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً
١٦
لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً
١٧
-الجن

بحر العلوم

قال عز وجل: { وَأَنَّا ظَنَنَّا } يعني: حسبنا { أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } يعني: نتوهم أن أحداً لا يكذب على الله وإلى ها هنا حكاية كلام الجن، يقول الله تعالى { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مّنَ ٱلإِنسِ } يعني: في الجاهلية { يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مّنَ ٱلْجِنّ } وذلك أن الرجل إذا نزل في فضاء من الأرض كان يقول أعوذ بسيد هذا الوادي فيكون في أمانهم تلك الليلة { فَزَادوهُمْ رَهَقاً } يعني: زادوا للجن عظمة وتكبروا ويقولن بلغ من سُؤدُدنا أن الجن والأنس يطلبون منا الأمان { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ } يعني: كفار الجن حسبوا كما حسبتم يا أهل مكة { أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً } يعني: بعد الموت، يعني: إنهم كانوا غير مؤمنين كما أنكم لا تؤمنون، ويقال إنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً يعني رسولاً فقد أرسل محمداً - صلى الله عليه وسلم - ثم رجع إلى كلام الجن فقال { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَاءَ } يعني: صعدنا وأتينا السماء لاستراق السمع { فَوَجَدْنَـٰهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً } يعني: حفاظاً أقوياء من الملائكة { وَشُهُباً } يعني: رُمينا نجماً متوقداً { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَـٰعِدَ لِلسَّمْعِ } يعني: كنا نقعد فيما مضى للاستماع من الملائكة ما يقولون فيما بينهم من الكوائن { فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } يعني: نجماً مضيئاً والرصد الذي أرصد للرجم يعني: النجم، وروى عبد الرزاق عن معمر قال قلت للزهري أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية قال نعم قلت أفرأيت قوله (فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً) قال غلظ وشدد أمرها حين بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الجن بعضهم لبعض: { وَأَنَّا لاَ نَدْرِى أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِى ٱلأَرْضِ } يعني: يبعثه فلم يؤمنوا فيهلكوا { أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً } يعني: خيراً وصواباً فيؤمنوا ويهتدوا ويقال لا ندري أخيراً أريد بأهل الأرض أو الشرحين حرست السماء ورُمينا بالنجوم وَمُنعنا السمع، ويقال: أريد عذاباً بمن في الأرض بإرسال الرسول بالتكذيب له أو أراد بهم ربهم خيراً ببيان الرسول لهم هدى وبياناً ثم قال عز وجل: { وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّـٰلِحُونَ } يعني: الموحدين والمسلمين { وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } يعني: ليسوا بموحدين { كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً } يعني: فينا أهواء مختلفة وملل شتى، وقال القتبي يعني: فرقاً مختلفة وكل فرقة قدة مثل القطعة في التقدير والطرائق جمع الطريق قوله تعالى: { وَأَنَّا ظَنَنَّا } يعني: علمنا وأيقنا { أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِى ٱلأَرْضِ } يعني: لا يفوت أحد من الله تعالى: { وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } لا يقدر الهرب منه قال الله عز وجل: { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ } يعني: القرآن يقرؤه محمد - صلى الله عليه وسلم - { آمَنَّا بِهِ } يعني: صدقنا بالقرآن، ويقال بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويقال صدقنا بالله تعالى { فَمَن يُؤْمِن بِرَبّهِ } قال بعضهم هذا من كلام الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - فمن يصدق بوحدانية الله تعالى { فَلاَ يَخَافُ بَخْساً } يعني: نقصاناً من ثواب عمله { وَلاَ رَهَقاً } يعني: ذهاب عمله وهذا كقوله تعالى { فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً }، ويقال هذا كلام الجن بعضهم لبعض فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً والرهق الظلم أن يجعل ثواب عمله لغيره والبخس النقصان من ثواب عمله، قوله تعالى: { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ } يعني: المصدقين بوحدانية الله تعالى: { وَمِنَّا ٱلْقَـٰسِطُونَ } يعني: العادلين عن طريق الهدى ويقال القاسطون يعني الجائرين يقال قسط الرجل إذا جار وأقسط إذا عدل كقوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } ثم قال { فَمَنْ أَسْلَمَ } يعني: أقر بوحدانية الله تعالى وأخلص بالتوحيد له { فَأُوْلَـئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } يعني: نوراً، وتمنوا وقصدوا ثواباً ثم قال عز وجل: { وَأَمَّا ٱلْقَـٰسِطُونَ } يعني: العادلين عن الطريق الجائرين { فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } يعني: وقوداً، قال الله تعالى { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } قال مقاتل: لو استقاموا على طريقة الهدى يعني أهل مكة { لأَسْقَيْنَـٰهُم مَّاء غَدَقاً } يعني: كثيراً من السماء كقوله { { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [الأعراف: 96] ثم قال عز وجل: { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } يعني: لنبتليهم به كقوله { { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً } [الزخرف: 33] الآية، وقال قتادة (وأن لو استقاموا على الطريقة) يعني: آمنوا لوسّع الله عليهم الرزق، وقال القتبي هذا مثل ضربه الله تعالى للزيادة في أموالهم ومواشيهم كقوله (ولولا أن يكون الناس) ثم قال: { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ } يعني: توحيد ربه ويقال: يكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن { يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } يعني يكلفه الصعود على جبل أملس، وقال مقاتل (عذاباً صعداً) أي شدة العذاب وقال القتبي: يعني: شاقاً وقال قتادة صعوداً من عذاب الله تعالى لا راحة فيه.