التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ
١
قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً
٢
نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً
٣
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً
٤
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً
٥
إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً
٦
إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً
٧
وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً
٨
-المزمل

بحر العلوم

قوله تعالى { يأَيُّهَا ٱلْمُزَّمّلُ } يعني الملتف في ثيابه وأصله في اللغة المتزمل وهو الذي يتزمل في الثياب وكل من التف بثوبه فهو متزمل وقد تزمل فأدغمت التاء في الزاء وشددت الزاء فقيل مزمل يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - { قُمِ ٱلَّيْلَ } يعني قم الليل للصلاة { إِلاَّ قَلِيلاً } من الليل { نّصْفَهُ } يعني قم نصفه فاكتفى بذكر الفعل الأول من الثاني لأنه دليل عليه { أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } يعني أو انقص من النصف قليلاً { أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } يعني زد على النصف يعني ما بين الثلث إلى الثلثين ثم قال { وَرَتّلِ ٱلْقُرْءانَ تَرْتِيلاً } يعني توسل فيه وقال الحسن بينه إذا قرأته فلما نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين فنزلت الرخصة في آخر السورة، وقال مقاتل هذا قبل أن يفرض الصلوات الخمس، وقال الضحاك (ورتل القرآن ترتيلاً) قال اقرأه حرفاً حرفاً وقال مجاهد أحب الناس إلى الله تعالى في القراءة أعقلهم عنه قوله تعالى { إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } يعني سننزل عليك القرآن بالأمر والنهي يعني يثقل لما فيه من الأمر والنهي والحدود وكان هذا في أول الأمر ثم سهل الله تعالى الأمر في قيام الليل، وقال قتادة في قوله (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً) قال يثقل الله فرائضه وحدوده. ويقال يعني قيام الليل ثقيل على المجرمين، ويقال ثقيل على من خالفه، ويقال ثقيل في الميزان خفيف على اللسان، ويقال نزوله ثقيل كما قال { { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانَ عَلَىٰ جَبَلٍ } [الحشر:21] الآية وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت حرائها وما تستطيع أن تتحرك حتى يسري عنه أي يذهب عنه ثم قال { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطْأً } يعني ساعات الليل أشد موافقة للقراءة وأسمع، ويقال هي أشد نشاطاً من النهار إذا كان الرجل محتسباً، ويقال هي أوفى لقلوبهم { وَأَقْوَمُ قِيلاً } وأبين وأصوب وأثبت قراءة، وقال القتبي ناشئة الليل يعني ساعاته وهي مأخوذة من نشأت أي ابتداء شيئاً بعد شيء فكأنه قال إن ساعات الليل الناشئة فاكتفى بالوصف من الاسم قوله تعالى أشد وطئاً يعني أثقل على المصلي من ساعات النهار فأخبر أن الثواب على قدر الشدة وأقوم قيلاً يعني أخلص للقول وأسمع له لأن الليل تهدأ فيه الأصوات وتنقطع فيه الحركات قرأ أبو عمرو وابن عامر أشد وطأ بكسر الواو ومد الألف والباقون بنصب الواو بغير مد فمن قرأ بالكسر يعني أشد وطأ أي موافقة لقلة السمع يعني أن القرآن في الليل يتواطأ فيه قلب المصلي ولسانه وسمعه على التفهم يعني أبلغ في القيام وأبين في القول ويقال أغلظ على اللسان. قوله تعالى { إِنَّ لَكَ فِى ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } يعني فراغاً طويلاً بقضاء حوائجك فيه ففرغ نفسك لصلاة الليل، وقال القتبي سبحاً أي تصرفاً إقبالاً وإدباراً بحوائجك وأشغالك قوله عز وجل { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبّكَ } يعني اذكر توحيد ربك ويقال فاذكر ربك. ويقال صل لربك { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } يعني أخلص إليه إخلاصاً في دعائك بعبادتك وهو قول مجاهد وقتادة ويقال وتبتل إليه تبتيلاً يعني انقطع إليه وأصل التبتل القطع قيل لمريم العذراء البتول لأنها انقطعت إلى الله تعالى في العبادة.