التفاسير

< >
عرض

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً
١١
وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً
١٢
وَبَنِينَ شُهُوداً
١٣
وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً
١٤
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ
١٥
كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً
١٦
سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً
١٧
إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ
١٨
فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ
١٩
ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ
٢٠
ثُمَّ نَظَرَ
٢١
ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ
٢٢
ثُمَّ أَدْبَرَ وَٱسْتَكْبَرَ
٢٣
فَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ
٢٤
إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ
٢٥
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ
٢٦
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ
٢٧
لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ
٢٨
لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ
٢٩
عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ
٣٠
وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَٰناً وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ
٣١
-المدثر

بحر العلوم

قال { ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } يعني اترك هذا الذي خلقته وحيداً وفوض أمره إليَّ وهو الوليد بن المغيرة خلقه الله تعالى وحيداً بغير مال ولا ولد { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } يعني ورزقته مالاً كثيراً قال مجاهد كان له مائة ألف دينار وكان بنوه عشرة وقال بعضهم كان ماله أربعة آلاف درهم ثم قال عز وجل { وَبَنِينَ شُهُوداً } يعني حضوراً لا يغيبون عنه في التجارة ولا غيرهم وقال بعضهم ذرني ومن خلقت وحيداً يعني إنه لم يكن من قريش وكان ملصقاً بهم لأنه ذكر أن أباه المغيرة تبناه بعد ما أتت ثمانية أشهر ولم يكن منه كما قال الله تعالى { { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } [القلم13] { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } يعني غير منقطع عنه وبنين شهوداً لا يغيبون عنه ولا يحتاجون إلى التصرف وكان له عشرة من البنين وهذا قول الكلبي وغيره وقال مقاتل سبع بنين { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } يعني بسطت له في المال والخير بسطاً ويقال أمهلت له إمهالاً { ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ } يعني يطمع أن أزيد ماله وولده. وذلك أنه تفاخر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال لي مالاً ممدوداً ولي عشرة من البنين فلا يزال يزداد مالي وبني فنزل ثم يطمع أن أزيد يعني أن أزيد وهو يعصيني { كَلاَّ } يعني وهو رد عليه يعني لا أزيد فما ازداد ماله بعد ذلك ولا ولده ولكن أخذ في النقصان فهلك عامة ماله وولده قوله تعالى { إِنَّهُ كان لآيَـٰتِنَا عَنِيداً } يعني مكذباً معرضاً عنها معانداً ثم قال عز وجل { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } يعني يكلف في النار صعود جبل من صخرة ملساء في الباب الخامس تسمى سقر فإذا بلغ رأس العقبة دخل دخان في حلقه فيخرج من جوفه ما كان في جوفه من الأمعاء فإذا سقط في أسفل العقبة سقي من الحميم فإذا بلغ أعلاه انحط منه إلى أسفله من مسيرة سبعين سنة وقال مجاهد (سأرهقه صعوداً) يعني مشقة من العذاب وقال الزجاج سأحمله على مشقة من العذاب ويقال سأكلفه الصعود على عقبة شاقة والصعود والكؤود بمعنى واحد ثم ذكر خبث أفعاله الذي يستوجب به العقوبة فقال { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } يعني إنه فكر في أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - وقدر في أمره وقال ساحر يقول الله عز وجل { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } يعني فلعن كقوله { { قُتِلَ ٱلْخَرَٰصُونَ } [الذاريات10]. { ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } وذلك حين اجتمعوا في دار الندوة ليدبروا أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - وقالوا هذه أيام الموسم والناس مجتمعون وقد فشا قول هذا الرجل في الناس وهم سائلون عنه فماذا تجيبون وتردون عليهم فقالوا نقول إنه مجنون وقال بعضهم إنهم يأتونه ويكلمونه فيجدونه فصيحاً عاقلاً فيكذبونكم فقالوا نقول شاعر قال بعضهم هم العرب وقد رأوا الشعراء وقوله لا يشبه الشعر فيكذبونكم قالوا نقول كاهن قال بعضهم إنهم لقوا الكهان وإذا سمعوا قوله وهو يستثني في كلامه المستقبل فيكذبونكم ففكر الوليد بن المغيرة ثم أدبر عنهم ثم رجع إليهم وقال فكرت في أمره فإذا هو ساحر يفرق بين المرء وزوجه وأقربائه فاجتمع رأيهم على أن يقولوا ساحر فقتل كيف قدر يعني كيف قدر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - بالسحر ثم قتل يعني لعن مرة أخرى أي اللعنة على أثر اللعنة كيف قدر هذا التقدير الذي قال للكفرة إنه ساحر { ثُمَّ نَظَرَ } يعني ثم نظر في أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - { ثُمَّ عَبَسَ } يعني عبس وجهه أي كلح وتغير لون وجهه وقال الزجاج ثم عبس وجهه { وَبَسَرَ } أي نظر بكراهة شديدة { ثُمَّ أَدْبَرَ } يعني أعرض عن الإيمان { وَٱسْتَكْبَرَ } يعني تكبر عن الإيمان ثم قال { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } يعني تأثره من صاحب اليمامة يعني يرويه عن مسيلمة الكذاب ويقال معناه ما هذا الذي يقول إلا سحر يرويه عن جابر ويسار ويقال عن أهل بابل { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ } يعني ما هذا القرآن إلا قول الآدمي قال الله تعالى { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } يعني سأدخله سقر قال مقاتل يعني الباب الخامس وقال الكلبي هو اسم من أسماء النار { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ } تعظيماً لأمرها ثم بين قال { لاَ تُبْقِى وَلاَ تَذَرُ } يعني لا تبقي لحماً إلا أكلته ولا تذرهم إذا أعيدوا فيها خلقاً جديداً، ويقال لا تبقي ولا تذر يعني لا تميت ولا تحيي، ويقال لا تبقى اللحم ولا العظم ولا الجلد إلا أحرقته ولا تذر لحماً ولا عظماً ولا جلداً أي تدعه محرقاً بل تجده خلقاً جديداً ثم قال عز وجل { لَوَّاحَةٌ لّلْبَشَرِ } يعني حراقة للأجساد شواهة للوجوه نزاعة للأعضاء وأصله في اللغة التسويد ويقال لاحته الشمس إذا غيرته وذلك أن الشيء إذا كان فيه دسومة فإذا أحرق أسود ثم قال { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } يعني على النار تسعة عشر من الملائكة مسلطون من رؤساء الخزنة وأما الزبانية فلا يحصى عددهم كما قال في سياق الآية وما يعلم جنود ربك إلا هو. وإنما أراد تسعة عشر ملكاً ومعهم ثمانية عشر أعينهم كالبرق الخاطف ويخرج لهب النار من أفواههم فنزعت عنهم الرأفة غضاب على أهلها يدفع أحدهم سبعين ألفاً فلما نزلت هذه الآية قال الوليد بن المغيرة لعنه الله أنا أكفيكم خمسة وكل ابن لي يكفي واحداً منهم وسائر أهل مكة يكفي أربعة منهم وقال رجل من المشركين وكان له قوة وأنا أكفيكموهم وحدي أدفع عشرة بمنكبي هذا وتسعة بمنكبي الأيسر فألقيهم في النار حتى يحترقوا وتجوزون حتى تدخلون الجنة فنزلت هذه الآية { وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَـٰبَ ٱلنَّارِ إلا مَلاَئِكَةٌ } يعني ما سلطنا أعوان النار إلا ملائكة زبانية غلاظ شداد لا يغلبهم أحد { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ } يعني ما ذكرنا قلة عددهم وهم تسعة عشر { إِلاَّ فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني بلية لهم { لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } وذلك أن أهل الكتاب وجدوا في كتابهم أن مالكاً رئيسهم وثمانية عشر من الرؤساء فبين لهم أنما يقوله النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوله بالوحي { وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِيمَـٰناً } يعني تصديقاً وعلماً { وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } يعني: يعلموا أنه حق وعدتهم كذلك { وَٱلْمُؤْمِنُونَ } أيضاً لا يشكون في ذلك { وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } يعني: المنافقين { وَٱلْكَـٰفِرُونَ } يعني: المشركين { مَاذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } يعني بذكر خزنة جهنم تسعة عشر يقول الله تعالى: { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَاء } يعني يخذله ولا يؤمن به أمناً له { وَيَهْدِى مَن يَشَاء } يعني يوفقه لذلك { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ } يعني من يعلم قوة جنود ربك وكثرتها إلا هو يعني الله تعالى ويقال وما يعلم يعني لا يعلم عدد جموع ربك إلا الله تعالى { وَمَا هِىَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } يعني الدلائل والحجج في القرآن ويقال ما هي يعني القرآن ويقال وما هي يعني سقر إلا ذكرى للبشر يعني عظه للخلق ثم أقسم الله تعالى لأجل سقر.