التفاسير

< >
عرض

كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ
٣٢
وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ
٣٣
وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ
٣٤
إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ
٣٥
نَذِيراً لِّلْبَشَرِ
٣٦
لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ
٣٧
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ
٣٨
إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ
٣٩
فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ
٤٠
عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ
٤١
مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ
٤٢
قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ
٤٣
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ
٤٤
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ
٤٥
وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ
٤٦
حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ
٤٧
فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ
٤٨
فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ
٤٩
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ
٥٠
فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ
٥١
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً
٥٢
كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلآخِرَةَ
٥٣
كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ
٥٤
فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ
٥٥
وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ
٥٦
-المدثر

بحر العلوم

فقال { كَلاَّ } رداً عليهم { وَٱلْقَمَرِ } يعني وخالق القمر { وَٱلَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } يعني ذهب أقسم بخالق الليل { وَٱلصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ } أقسم بخالق الصبح { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } يعني سقر إحدى الكبر العظام وباب من أبواب النار قرأ نافع وحمزة وعاصم في رواية حفص والليل إذ بغير ألف أدبر بالألف والباقون إذا بالألف دبر بغير ألف وهما لغتان ومعناهما واحد دبر وأدبر ويقال دبر النهار وأدبر ودبر الليل وأدبر وقال مجاهد سألت ابن عباس عن قوله والليل إذا أدبر فسكت حتى إذا كان آخر الليل قال يا مجاهد هذا حين دبر الليل ويقال: الليل إذا أدبر يعني إذا جاء بعد النهار والصبح إذا أسفر يعني استضاء بأنها أي سقر لإحدى الكبر يعني أن سقر لأعظم درجات في النار { نَذِيراً لّلْبَشَرِ } يعني محمداً - صلى الله عليه وسلم - نذيراً للخلق وإنما صار نعتاً لأنه معناه تم نذيراً للبشر، ويقال إن العذاب الذي ذكر نذيراً للبشر قوله تعالى { لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } يعني يتقدم في الخير أو يتأخر إلى المعصية فبينا لكم فهذا وعيد لكم لمن شاء منكم أن يتقدم إلى الطاعة أو يتأخر إلى المعصية كقوله { { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [الكهف29] ويقال معناه لمن شاء منكم أن يتقدم إلى التوبة فليوحد أو يتأخر عن التوبة فليقم على الكفر يعني نذيراً لمن شاء. ثم قال { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } يعني كل كافر مرتهن بعمله { إِلاَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْيَمِينِ } يعني لكن أصحاب اليمين فإنهم ليسوا مرتهنين بعملهم يعني الذين أعطوا كتابهم بأيمانهم ويقال هم الذين عن يمين العرش، ويقال كل نفس بما كسبت رهينة عند المحاسبة إلا أصحاب اليمين قال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه هم أطفال المسلمين يعني ليس عليهم حساب لأنهم لم يعملوا شيئاً ثم قال { فِى جَنَّـٰتٍ يَتَسَاءلُونَ } يعني إنهم في بساتين يتسألون { عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } يعني يرون أهل النار يسألونهم { مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ } يعني ما الذي أدخلكم في سقر فأجابهم أهل النار { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلّينَ } يعني لم نك نقر بالصلاة ولم نؤدها { وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ } يعني كنا لا نقر بالفرائض والزكاة ولا نؤديها. { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَائِضِينَ } يعني كنا نستهزيء بالمسلمين ونخوض بالباطل ونرد الحق مع المبطلين المستهزئين { وَكُنَّا نُكَذّبُ بِيَوْمِ ٱلدّينِ } يعني بيوم الحساب { حَتَّىٰ أَتَـٰنَا ٱلْيَقِينُ } يعني الموت والقيامة قوله تعالى { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَـٰعَةُ ٱلشَّـٰفِعِينَ } يعني لا يسألهم شفاعة الأنبياء وشفاعة الملائكة { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } فما للمشركين يعرضون عن القرآن والتوحيد { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ } يشبههم بالحمر الوحشية المذعورة حين فروا من القرآن وكذبوا به قرأ نافع وابن عامر مستنفرة بنصب الفاء والباقون بالكسر فمن قرأ بالنصب فمعناه منفرة فإن الصائد نفرها ومن قرأ بالكسر ومعناه نافرة ويقال نفر واستنفر بمعنى واحد ثم قال { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } فقال أبو هريرة رضي الله عنه يعني الأسد وقال سعيد ابن جبير رضي الله عنهم القناص يعني الصيادين وقال قتادة القسورة النبل يعني الرمي بالسهام وهو حس الناس وأصواتهم ثم قال عز وجل { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ } يعني أهل مكة { أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُنْتَشِرَةً } وذلك أن كفار مكة قالوا إن الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب ذنباً يصبح وذنبه وكفارته مكتوب عند رأسه فهل ترينا مثل ذلك إن كنت رسولاً فنزل بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتى صحفاً منشرة يعني صحفاً مكتوب فيها جرمه وتوبته ويقال نزلت في شأن عبد الله بن أمية المخزومي حين قال لن نؤمن حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه قال الله تعالى: { كَلاَّ } يعني هذا لا يكون لهم أبداً ثم ابتداء فقال { بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلآخِرَةَ } يعني البعث يعني لكن لا يخافون عذاب الآخرة { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } يعني حقاً إن القرآن عظة للخلق { فَمَن شَاء ذَكَرَهُ } يعني من شاء أن يتعظ به فليتعظ { وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء } يعني إلا أن يشاء { ٱللَّهُ } لهم، ويقال إلا أن يشاء الله منهم قرأ نافع وما تذكرون بالتاء على معنى المخاطبة والباقون بالياء على معنى الخبر عنهم ثم قال عز وجل { هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } يعني هو أهل أن يتقى ولا يشرك به ويوحد ولا يعصى وأهل المغفرة يعني هو أهل أن يغفر لمن أطاعه ولا يشرك ويقال هو أهل أن يتقى وأهل المغفرة لمن اتقى والله الموفق.