التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ
٦
فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ
٧
وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ
٨
وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ
٩
يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ
١٠
كَلاَّ لاَ وَزَرَ
١١
إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ
١٢
يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ
١٣
بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
١٤
وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ
١٥
لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
١٦
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
١٧
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ
١٨
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ
١٩
كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ
٢٠
وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ
٢١
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ
٢٢
إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ
٢٣
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ
٢٤
تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ
٢٥
كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ
٢٦
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ
٢٧
وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ
٢٨
وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ
٢٩
إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ
٣٠
-القيامة

بحر العلوم

قوله تعالى: { يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ } يعني: يسأل متى يوم القيامة تكذيباً بالبعث فكأنه قال: بل يريد الإنسان أن يكذب بيوم القيامة وهو أمامه وهو يسأل متى يكون فبين الله تعالى في أي يوم يكون فقال: { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ } يعني: شخص البصر وتحير قرأ نافع فإذا برق البصر بنصب الراء والباقون بالكسر فمن قرأ بالنصب فهو من برق يبرق بريقاً ومعناه شخص فلا يطرق من شدة الفزع ومن قرأ بالكسر يعني فزع وتحير وأصله أن الرجل إذا رأى البرق تحير وإذا رأى من أعاجيب يوم القيامة تحير ودهش { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } يعني: ذهب ضوؤه { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } يعني: كالثورين المقرنين ويقال برق البصر وخسف القمر قال كوكب العين ذهب ضوؤه وروى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال يجعلان في نور الحجاب ويقال جمع الشمس والقمر يعني: سوى بينهما في ذهاب نورهما وإنما قال وجمع الشمس والقمر ولم يقل وجمعت لأن المؤنث والمذكر إذا اجتمعا فالغلبة للمذكر { يَقُولُ ٱلإِنسَـٰنُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } يقول أين الملجأ من النار قرىء في الشاذ أين المفر بالكسر للفاء على معنى: أين مكان الفرار وقراءة العامة بالنصب يعني أين الفرار ثم قال: { كَلاَّ لاَ وَزَرَ } يعني: حقاً لا جبل يلجئون إليه فيمنعهم من النار ولا شجر يواريهم والوزر في كلام العرب الجبل الذي يلتجىء إليه والوزر والستر هنا الشيء الذي يستترون به وقال عكرمة ولا وزر يعني منعه وقال الضحاك يعني: لا حصن لهم يوم القيامة ثم قال عز وجل: { إِلَىٰ رَبّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } يعني: المرجع { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَـٰنُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } يعني: يسأل ويبين له ويجازى بما قدم من الأعمال وأخر من سنة صالحة أو سيئة قوله عز وجل: { بَلِ ٱلإِنسَـٰنُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } يعني: جوارح العبد شاهدة عليه ومعناه على الإنسان من نفسه شاهد يشهد عليه كل عضو بما فعل ويقال يعني جوارح العبد شاهدة عليه ومعناه رقيب بعضها على بعض والبصيرة أدخلت فيها الهاء للمبالغة كما يقال: رجل علامة وقال الحسن: على نفسه بصيرة يعني: بعيوب غيره الجاهل بعيوب نفسه { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } يعني: ولو تكلم بعذر لم يقبل منه ويقال ولو أرخى ستوره يعني: أنه شاهد على نفسه وإن أذنب في الستور قوله تعالى: { لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ } يعني: لا تعجل بقراءة القرآن من قبل أن يفرغ جبريل عليه السلام من قراءته وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه القرآن تعجل به للحفظ فنزل (لا تحرك به لسانك) { لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ } يعني: حفظه في قلبك { وَقُرْءانَهُ } يعني: يقرأ عليك جبريل حتى تحفظه { فَإِذَا قَرَأْنَـٰهُ فَٱتَّبِعْ قُرْءانَهُ } يعني: إذا قرأ عليك جبريل فاقرأ أنت بعد قراءته وفراغه وقال محمد بن كعب فاتبع قراءته يعني: فاتبع حلاله وحرامه وقال الأخفش إن علينا جمعه يعني: تأليفه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه يعني: تأليفه { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } يعني: بيان أحكامه وحدوده، ويقال علينا بيانه يعني شرحه ويقال بيان فرائضه كما بين على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نزل بعد هذه الأحكام قوله تعالى: { كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } يعني: تحبون العمل للدنيا { وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } يعني: تتركون العمل للآخرة قرأ ابن كثير وأبو عمرو بل يحبون بالياء على معنى الخبر عنهم والباقون بالتاء على - معنى المخاطبة ثم بين حال ذلك اليوم فقال { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } أي حسنة مشرقة مضيئة كما قال في آية أخرى { { تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ } [المطففين:24] { وَإِلَى رَبّهَا نَاظِرَةٌ } يعني: ناظرين يومئذ إلى الله تبارك وتعالى وقال مجاهد إلى ربها ناظرة يعني تنتظر الثواب من ربها وهذا القول لا يصح لأنه مقيد بالوجوه موصول بإلى ومثل هذا لا يستعمل في الانتظار ثم قال عز وجل: { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } يعني: عابسة ويقال كريهة ويقال كاسفة ومسودة { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } يعني: تعلم أنه قد نزل بها العذاب والشدة يعني تعلم هذه الأنفس ويقال الفاقرة الداهية ويقال قد أيقنت أن العذاب نازل بها ثم قال عز وجل: { كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِىَ } يعني: حقاً إذا بلغت النفس إلى الحلقوم يعني: خروج الروح { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } يعني: يقول من حضر عند الموت هل من طبيب حاذق يداويه ويقال من راق يعني: من يشفي من هذا الحال ويقال من راق يعني: من يقدر أن يرقي من الموت يعني: لا يقدر أحد أن يرقي من الموت والعرب تقول من الرقية رقى يرقي رقيةً ومن الرقيّ وهو الصعود رقي يرقى رقياً فهو راق منهما { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } يعني: استيقن أنه ميت وأنه يفارق الروح من الجسد ويقال: وقيل من راق أن الملائكة الذين حضروا لقبض روحه يقول بعضهم لبعض من راق يعني من يصعد منا بروحه إلى السماء فأيقن عند ذلك أنه الفراق { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ إِلَىٰ رَبّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } قال ابن عباس يعني: التفت شدتان أخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من الآخرة وروى وكيع عن بشير بن المهاجر قال سمعت الحسن يقول والتفت الساق بالساق قال هما ساقان إذا التفتا في الكفن إلى ربك يومئذٍ المساق يعني: يساق العبد إلى ربه.