التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰداً
٦
وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً
٧
وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً
٨
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً
٩
وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاساً
١٠
وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً
١١
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً
١٢
وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً
١٣
وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً
١٤
لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً
١٥
وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً
١٦
إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً
١٧
يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً
١٨
وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً
١٩
وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً
٢٠
إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً
٢١
لِّلطَّاغِينَ مَآباً
٢٢
لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً
٢٣
-النبأ

بحر العلوم

ثم ذكر صنعه ليستدلوا بصنعه على توحيده فقال تعالى { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَـٰداً } يعني فراشاً ومقاماً ويقال موضع القرار، ويقال: معناه ذللنا لهم الأرض ليسكنوها ويسيروا فيها { وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } يعني أوتدها وأثبتها ثم قال { وَخَلَقْنَـٰكُمْ أَزْوٰجاً } يعني أصنافاً وأضداداً ذكراً وأنثى، ويقال ألواناً بيضاً وسوداً وحمراً { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } يعني راحة لأبدانكم وأصله التمدد فلذلك سمي السبت لأنه قيل لبني إسرائيل استريحوا فيه. ويقال سباتاً يعني سكوناً وانقطاعاً عن الحركات { وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِبَاساً } يعني سكوناً يسكنون فيه ويقال ستراً يستر كل شيء { وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } يعني مطلباً للمعيشة { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } يعني سبع سموات غلاظاً كل سماء مسيرة خمسمائة عام { وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } يعني وقاداً مضيئة { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ } يعني من السحاب سمي معصرات لأنها تعصر الماء ويقال المعصرات هي الرياح يعني ذوات الأعاصير كقوله إعصاراً فيه نار ثم قال عز وجل { مَاء ثَجَّاجاً } يعني سيالاً، ويقال منصباً كثيراً { لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً } يعني بالماء حبوباً كثيرة للناس ونباتاً للدواب من العشب والكلأ { وَجَنَّـٰتٍ أَلْفَافاً } يعني شجرها ملتفاً بعضها في بعض فأعلم الله تعالى قدرته أنه قادر على البعث فقال { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَـٰتاً } يعني يوم القيامة ميقاتاً وميعاداً للأولين والآخرين { يَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } يعني جماعة جماعة. وروي في بعض الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال يبعث الله تعالى الناس صوراً مختلفة بعضهم على صورة الخنزير وبعضهم على صورة القردة وبعضهم وجوههم كالقمر ليلة البدر ثم قال عز وجل { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَاء } يعني أبواب السماء { فَكَانَتْ أَبْوٰباً } يعني صارت طرقاً قرأ حمزة والكسائي وعاصم وفتحت بالتخفيف والباقون بالتشديد وهو لتكثير الفعل والتخفيف بفتح مرة واحدة ثم قال عز وجل { وَسُيّرَتِ ٱلْجِبَالُ } يعني قلعت من أماكنها { فَكَانَتْ سَرَاباً } يعني فصارت كالسراب تسير في الهواء كالسراب في الدنيا { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } أي رصداً لكل كافر ويقال سجناً ومحبساً { لّلطَّـٰغِينَ مَـئَاباً } أي للكافرين مرجعاً يرجعون إليها { لَّـٰبِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً } يعني ماكثين فيها أبداً دائماً والأحقاب وأحدها حقب والحقب ثمانون سنة واثنا عشر شهراً وكل شهر ثلاثون يوماً وكل يوم منها مقدار ألف سنة مما تعدون بأهل الدنيا فهذا حقب واحد، والأحقاب هو التأبيد كلما مضى حقب دخل حقب آخر، وإنما ذكر أحقاباً لأن ذلك كان أبعد شيء عندهم فذكر وتكلم بما تذهب إليه أوهامهم ويعرفونه وهو كناية عن التأبيد أي يمكثون فيها أبداً قرأ حمزة لبثين بغير ألف والباقون لابثين بالألف ومعناهما واحد.