التفاسير

< >
عرض

لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً
٢٤
إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً
٢٥
جَزَآءً وِفَاقاً
٢٦
إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً
٢٧
وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً
٢٨
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً
٢٩
فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً
٣٠
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً
٣١
حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً
٣٢
وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً
٣٣
وَكَأْساً دِهَاقاً
٣٤
لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً
٣٥
جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً
٣٦
رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً
٣٧
يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً
٣٨
ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً
٣٩
إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً
٤٠
-النبأ

بحر العلوم

قال عز وجل { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً } يعني لا يكون فيها برد يمنعهم من حرها وقال القتبي: البرد النوم، وقال الزجاج: يجوز أن يكون البرد نوماً، ويجوز أن يكون معناه لا يذوقون فيها برد ريح ولا ظل { وَلاَ شَرَاباً } يعني شراباً ينفعهم { إِلاَّ حَمِيماً } يعني ماءً حاراً قد انتهى حره { وَغَسَّاقاً } يعني زمهريراً، وقال الزجاج: الغساق ما يغسق من جلودهم أي ما يسيل وقد قيل الشديد البرد قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص وغساقاً بالتشديد والباقون بالتخفيف، ومعناهما واحد ثم قال { جَزَاء وِفَـٰقاً } يعني العقوبة موافقة لأعمالهم لأن أعظم الذنوب الشرك نعوذ بالله وأعظم العذاب النار ووافق الجزاء العمل ثم قال { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } يعني لا يخافون البعث بعد الموت، ويقال: كانوا لا يرجون ثواب الآخرة أنهم كانوا ينكرون البعث قوله تعالى { وَكَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا كِذَّاباً } يعني جحدوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبالقرآن كذاباً يعني تكذيباً وجحوداً ثم قال { وَكُلَّ شَىْء أَحْصَيْنَـٰهُ كِتَـٰباً } يعني أثبتناه في اللوح المحفوظ { فَذُوقُواْ } يعني يقال لهم فذوقوا العذاب { فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } ثم بين حال المؤمنين فقال عز وجل { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } يعني نجاة من النار إلى الجنة ويقال المفاز بمعنى الفوز يعني موضع النجاة { حَدَائِقَ وَأَعْنَـٰباً } يعني لهم حدائق في الجنة والحدائق ما أحيط بالجدار وفيه من النخيل والثمار وأعناباً يعني كروما { وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً } والكواعب الجواري مفلكات الثديين أتراباً مستويات في الميلاد والسن وقال أهل اللغة الكواعب النساء قد كعب ثديهن { وَكَأْساً دِهَاقاً } كل إناء فيه شراب فهو كأس فإذا لم يكن فيه شراب فليس بكأس كما يقال للمائدة إذا كان عليها طعام مائدة وإذا لم يكن فيها طعام خوان يقال دهاقاً يعني سائغاً وقال الكلبي: وكأساً دهاقاً يعني: إناء فيه خمر ملان متتابعاً وهذا قول عطية وسعيد والعباس بن عبد المطلب رضي الله عنهم ومجاهد وإبراهيم النخعي { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } يعني حلفاً وباطلاً ويقال ولا يسمعون في مشربها فحشاً خبثاً { وَلاَ كِذاباً } يعني تكذيباً في شربها يعني لا يكذبون فيها قرأ الكسائي كذاباً بالتخفيف يعني لا يكذب بعضهم بعضاً وقرأ الباقون بالتشديد فهو من التكذيب ثم قال { جَزَاء مّن رَّبّكَ } يعني ثواباً من ربك { عَطَاء حِسَاباً } يعني كثيراً وقال مجاهد عطاء من الله حساباً بما عملوا وقال أهل اللغة حساباً أي كثيراً كما يقال أعطينا فلاناً عطاء حساباً أي كثيراً وأصله أن يعطيه حتى يقول حسبي، وقال الزجاج حساباً أي ما يكفيهم يعني فيه ما يشتهون ثم قال { رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } يعني خالق السموات والأرض قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو رب السموات والأرض بضم الباء والباقون بالكسر فمن قرأ بالضم فمعناه هو رب السموات والأرض ومن قرأ بالكسر فهو على معنى الصفة أي: جزاءاً من ربك رب السموات والأرض { وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ } يعني الرحمن هو رب السموات والأرض { لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } يعني لا يملكون الكلام بالشفاعة إلا بإذنه { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ } قال الضحاك هو جبريل وقال قتادة عن ابن عباس وخلق على صورة بني آدم، ويقال هو خلق واحد يقوم صفاً واحداً { وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ صَفّاً } يعني صفوفاً، ويقال: الروح لا يعلمه إلا الله. كما قال { { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى } [الإسراء: 85]، ثم قال عز وجل { لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } يعني لا يتكلمون بالشفاعة إلا من أذن له الرحمن بالشفاعة { وَقَالَ صَوَاباً } يعني لا إله إلا الله يعني من كان معه من التوحيد وهو من أهل الشفاعة ثم قال عز وجل { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ } يعني القيامة كائنة { فَمَن شَاء ٱتَّخَذَ } يعني من شاء وجد واتخذ بذلك التوحيد { إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } يعني مرجعاً ويقال من شاء اتخذ بالطاعة إلى ربه مرجعاً ثم خوفهم فقال { إِنَّا أَنذَرْنَـٰكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } يعني خوفناكم بعذاب قريب وهو يوم القيامة ثم خوف المؤمنين ووصف ذلك اليوم { يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } يعني ما عملوا من الخير والشر يعني ينظر المؤمن إلى عمله وينظر الكافر إلى عمله { وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ ٱلْكَافِرُ يَـٰلَيْتَنِى كُنتُ تُرٰباً } يعني لو كنت بهما منها فأكون تراباً أستوي بالأرض وذلك أن الله تعالى يقول للسباع والبهائم كوني تراباً فعند ذلك يتمنى الكافر يا ليتني كنت تراباً، وروى عبد الله بن عمر عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال إن الله يحشر البهائم والدواب والناس ثم يقتص لبعضهم من بعض حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء ثم إن الله تعالى يقول لها كوني تراباً فيراها الكافر ويتمنى أن يكون مثلها تراباً، ويقول: يا ليتني كنت تراباً يعني يا ليتني لم أبعث كقوله { { يٰلَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَـٰبِيَهْ } [الحاقة:25] إلى قوله { { يٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ } [الحاقة:27] والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.