التفاسير

< >
عرض

وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً
١
وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً
٢
وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً
٣
فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً
٤
فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً
٥
يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ
٦
تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ
٧
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ
٨
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ
٩
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ
١٠
أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً
١١
قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ
١٢
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ
١٣
فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ
١٤
-النازعات

بحر العلوم

قوله تعالى { وَٱلنَّـٰزِعَـٰتِ غَرْقاً } قال مقاتل يعني ملك الموت ينزع روح الكافر من صدره كما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف فيخرج نفسه من حلقه منها العروق كالغريق في الماء { وَٱلنَّـٰشِطَـٰتِ نَشْطاً } ملك الموت ينشط روح الكافر من قدمه إلى حلقه وقال الكلبي: (والنازعات) يعني ملك الموت وأعوانه غرقاً كرهاً يقال: غرقت نفسه في صدره وذلك أنه ليس من كافر يحضره الموت إلا عرضت عليه جهنم فيراها قبل أن يخرج نفسه فيرى فيها أقواماً مرة ينغمسون ومرة يرتفعون فعند ذلك تغرق روحه في جسده (والناشطات نشطاً) يعني الملائكة الذين يقبضون أرواح المؤمنين بالتيسير وذلك أنه ما من مؤمن يحضره الموت إلا ويرى منزلته في الجنة ويرى فيها أقواماً من أهل معرفته وهم يدعون إلى أنفسهم فعند ذلك ينشط إلى الخروج ويقال: النازعات الملائكة تنزع النفس أغراقاً كما يغرق النازع في القوس والناشطات الملائكة تقبض نفس المؤمن كما ينشط العقال وقال عطاء والنازعات غرقاً يعني ألقى والناشطات نشطاً يعني الأوهاق ثم قال { وَٱلسَّـٰبِحَـٰتِ سَبْحاً } يعني الملائكة الذين يقبضون أرواح الصالحين يسلونها سلاً رقيقاً ويتركونها حتى تستريح رويداً، ويقال: والسابحات سبحاً يعني السفن تجري في الماء ويقال والسابحات سبحاً يعني الملائكة جعل نزولها في السماء كالسباحة ويقال والسابحات سبحاً يعني النجوم الدوارة كما قال و { { وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [الأنبياء:33] ثم قال { فَٱلسَّـٰبِقَـٰتِ سَبْقاً } يعني الملائكة الذين يسبقون إلى الخير والدعاء ويقال فالسابقات سبقاً بالخير يعني أرواح المؤمنين يعرج بها إلى السماء سراعاً يفتح لها أبواب السماء ويقال فالسابقات سبقاً يعني خيول الغزاة { فَٱلْمُدَبّرٰتِ أَمْراً } يعني الملائكة الذين جعل إليهم تدبير الخلق وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل عليهم السلام أما جبريل فعلى الوحي وإنزال الرحمة والعذاب على الخلائق بأمر الله وأما ميكائيل فعلى الأمطار والنبات يقسم على البلاد والعباد بإذن الله. وأما عزرائيل وهو ملك الموت فعلى قبض الأرواح عند انقضاء أجلهم بإذن الله تعالى وأما اسرافيل فعلى النفح في الصور متى أمره الله تعالى. فهذا كله قسم وجواب القسم مضمر فكأنه أقسم بهذه الأشياء أنهم يبعثون يوم القيامة لأن في الكلام دليلاً عليه وهو قوله { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ } يعني لتبعثن يوم القيامة في يوم ترجف الراجفة يعني الصيحة الأولى { تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } يعني الصيحة الثانية يعني النفخة الأولى للصعق، والنفخة الأخرى للبعث وروي عن يزيد بن ربيعة عن الحسن في قوله يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قال هما النفختان فأما الأولى فيميت الأحياء وأما الثانية فتحيي الموتى ثم تلا { { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء ٱللَّهُ } [الزمر:68] ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، وأصل الرجفة الحركة يعني تزلزلت الأرض زلزلة شديدة عند النفخة الأولى والرادفة كل شيء تجيء بعد شيء فهو يردفه ثم قال { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } يعني خائفة خاشعة من هول ذلك اليوم ويقال يعني ذليلة ويقال زائلة عن مكانها { أَبْصَـٰرُهَا خَـٰشِعَةٌ } يعني أبصار الخلائق ذليلة، ويقال أبصار القلوب خاشعة ثم ذكر قول الكفار وإنكارهم البعث فقال { يَقُولُونَ أَءنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى ٱلْحَـٰفِرَةِ } تعجباً منهم وفي الآية تقديم ومعناه أئنا لمردودون في الحياة بعد الموت، ويقال: أئنا لمردودون في الحافرة أي إلى أول أمرنا يقال رجع فلان في حافرته وعلى حافرته أي رجع من حيث جاء ثم قال { أَءذَا كُنَّا عِظَـٰماً نَّخِرَةً } يعني بعد ما كنا عظاماً بالية، قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر إذا كنا عظاماً ناخرة بالألف والباقون بغير ألف قال بعضهم معناهما واحد هما لغتان وقال بعضهم الناخرة التي أكلت أطرافها وبقيت أوساطها والنخرة التي قد فسدت كلها وقال مجاهد عظاماً نخرة أو مرفوتة كما قال في قوله عظاماً ورفاتاً { قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَـٰسِرَةٌ } يعني إن كانوا كما يقولون فنحن بخسران قوله تعالى { فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وٰحِدَةٌ } يعني يبعثهم صيحة واحدة وهو نفخ إسرافيل في الصور { فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ } يعني على وجه الأرض يعني هم قيام على ظهر الأرض، ويقال سميت الأرض ساهرة لقيام الخلق وسهرهم عليها.