التفاسير

< >
عرض

إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ
١٢
ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
١٣
ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ
١٤
يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ
١٥
وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
١٦
-الأنفال

بحر العلوم

{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ } يعني ألهم ربك الملائكة { أَنّي مَعَكُمْ } أي معينكم وناصركم { فَثَبّتُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } يعني بشروا المؤمنين بالنصر. فكان الملك يمشي أمام الصف فيقول أبشروا فإنكم كثير وعدوكم قليل. والله ناصركم { سَأُلْقِي } يعني سأقذف { فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } يعني الخوف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "والمؤمنين". ثم علم المؤمنين كيف يضربون ويقتلون فقال تعالى: { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَـٰقِ } يعني على الأعناق { وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } يعني أطراف الأصابع وغيرها. ويقال كل مفصل. قال الفقيه: سمعت من حكى عن أبي سعيد الفاريابي أنه قال: أراد الله إلاَّ يلطخ سيوفهم بفرث المشركين فأمرهم أن يضربوا على الأعناق ولا يضربوا على الوسط، ويقال معناه اضربوا كل شيء استقبلكم من أعضائهم ولا ترحموهم. { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ } يعني ذلك الضرب والقتل سبب أَنَّهُمْ { شَاقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } يعني عادوا الله ورسوله وخالفوا الله ورسوله { وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ }ورسوله يعني من يخالف الله { وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } إذا عاقب. ثم قال تعالى: { ذٰلِكُمْ } يعني ذلكم القتل يوم بدر { فَذُوقُوهُ } في الدنيا { وَأَنَّ لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ } يوم القيامة مع القتل في الدنيا، يعني إن القتل والضرب لم يصر كفارةً لهم. قوله تعالى: { يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني إذا لقيتم الذين كفروا بتوحيد الله تعالى يوم بدر { زَحْفاً } يعني مزاحفة، ويقال زحف القوم إذا دنوا للقتال، ومعناه إذا وافقتموهم للقتال { فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأّدْبَارَ } يعني منهزمين. { وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } يعني ظهره منهزماً يومئذ يعني يوم حربهم. وقال الكلبي: يعني يوم بدر خاصة. { إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لّقِتَالٍ } يعني مستطرداً للكرة يريد الكرة للقتال { أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ } يعني ينحاز من فئة إلى فئة من أصحابه يمنعونه عن العدو. قال أهل اللغة تحوزت وتحيزت أي: انضممت إليه ومعناه إذا كان منفرداً فينحاز ليكون مع المقاتلة. { فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مّنَ ٱللَّهِ } وفي الآية تقديم، يعني ومن يولهم يومئذ دبره فقد باء بغضب من الله، أي استوجب الغضب من الله { وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة. وروي عن الحسن أنه قال: كان هذا يوم بدر وغيره، وعن الضحاك قال: هذا يوم بدر خاصة لأنه لم يكن لهم فئة ينحازون إليها، وعن داود بن أبي هند عن أبي نضرة قال: نزلت يوم بدر لأنهم لم ينحازوا إلا إلى المشركين، لم يكن في الأرض مسلمون غيرهم. وقد قال بعضهم بأن الآية غير منسوخه، لأنه لا يجوز للواحد أن يهرب من الاثنين وأن يهرب من الجماعة، وإذا لم يكن معه سلاح جاز له أن يهرب ممن معه سلاح، وإذا لم يكن رامياً جاز له أن يهرب من الرامي. فإذا كان عدد المسلمين نصف عدد الكفار ومعهم سلاح لا يجوز لهم أن يهربوا منهم، وإذا كان المسلمون اثني عشر ألفاً ومعهم سلاح لا يجوز لهم أن يهربوا من الكفار وإن كانوا مائة ألف، لأنه روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "خير الصحابة أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة إذا كانت كلمتهم واحدة. فينبغي لهم أن يجعلوا كلمتهم واحدة ويقاتلوهم حتى ينصرهم الله تعالى" . والآية نزلت في الذي لا يجوز له الهرب. وروى سليمان بن بلال عن ثور بن زيد عن أبي المغيث عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "اجتنبوا السبع الموبقات. قيل وما هي يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات" . قوله تعالى { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ... }