التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٤٨
إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٤٩
وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ
٥٠
ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ
٥١
-الأنفال

بحر العلوم

{ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ } يعني: مسيرهم ومعناه أن خروجهم لما كان للشيطان زين لهم الشيطان أعمالهم وذلك أن أهل مكة لما وجدوا العير أرادوا الرجوع ألى مكة فأتاهم إبليس على صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكناني فقال لهم لا ترجعوا حتى تستأصلوهم فإنكم كثير وعدوكم قليل ثم قال { وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ } يعني لا يطيقكم أحد لكثرتكم وقوتكم { فَلَمَّا تَرَاءتِ ٱلْفِئَتَانِ } يعني اجتمع الجمعان جمع المؤمنين وجمع المشركين { نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } أي: راجعاً وراءه فقال له الحارث ابن هشام أين ما ضمنت لنا؟ { وَقَالَ إِنّي بَرِىء مّنْكُمْ إِنّي أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ } فقال له الحارث وهل ترى إلا جعاشيش أهل يثرب، والجعاشيش جمع جعشوش وهو الرجل الحقير الدميم القصير فقال { إِنّي أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }. قال ابن عباس: خاف إبليس أن يأخذه جبريل أسيراً فيعرفه الناس فيراه الكفار فيعرفونه بعد ذلك فلا يطيعونه، ولم يخف على نفسه الموت والقتل لأنه كان يعلم أن له بقاء إلى يوم ينفخ في الصور، قال إبليس إني أرى ما لا ترون أي أرى جبريل معتجراً بردائه يقود الفرس، فلما تولى قالوا هزم الناس سراقة، فسار سراقة بعد رجوعهم إلى مكة وقال والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم. فقالوا له ألم تأتنا يوم كذا وكذا؟ فخلف أنه لم يحضر. فلما أسلموا علموا أنه كان إبليس. وقال مقاتل: لم يجتمع جمع قط منذ كانت الدنيا أكثر من يوم بدر وذلك أن إبليس جاء بنفسه وحضرت الشياطين وحضر كفار الجن كلهم وتسعمائة وخمسون من المشركين وثلاثمائة وثلاثة عشر من المؤمنين، وتسعون من مؤمني الجن وألف من الملائكة وروي عن الحسن البصري أنه كان إذا قرأ هذه السورة كان يقول: طوبى لجيش كان قائدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومبارزهم أسد الله، وجهادهم في طاعة الله ومددهم ملائكة الله وجارهم أمين الله وثوابهم رضوان الله. قوله تعالى: { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } يعني شكاً ونفاقاً. قال الحسن: هم قوم من المنافقين لم يشهدوا القتال يوم بدر فسموا منافقين. وقال الضحاك: نزلت في عبد الله بن أبَيْ وأصحابه. ويقال معناه. إذ يقول المنافقون وهم الذين في قلوبهم مرض. قال ابن عباس: نزلت الآية في الذين أسلموا بمكة وتخلفوا عن الهجرة فأخرجهم أهل مكة إلى بدر كرهاً. فلما رأوا قلة المؤمنين ارتابوا ونافقوا وقالوا لأهل مكة { غَرَّ هَـؤُلاءِ دِينُهُمْ } وقاتلوا مع المشركين فقتل عامتهم. يقول الله تعالى: { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } يعني يثق بالله ولا يثق بغيره { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } بالنقمة { حَكِيمٌ } حكم بهزيمة المشركين. فلما قتلوا ضربت الملائكة وجوههم وآدبارهم فنزل { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني ولو ترى يا محمد إذ يتوفى الذين كفروا، يعني حين يقبض أرواح الذين كفروا { ٱلْمَلَـٰئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ } عند قبض أرواحهم { وَأَدْبَـٰرَهُمْ } { وَ } يقول لهم الملائكة يوم القيامة { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } ولم يذكر الجواب لأن في الكلام دليلاً عليه ومعناه لو رأيت ذلك لرأيت أمراً عظيماً. قرأ ابن عامر إذ تَتَوَفَّى الذين بلفظ التأنيث وقرأ الباقون يَتَوَفَّى بلفظ التذكير. وروي عن ابن مسعود أنه كان يُذَكِّر الملائكة في جميع القرآن خلافاً للمشركين بقولهم الملائكة بنات الله. ثم قال تعالى: { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } يعني ذلك العذاب بما قدمت أيديكم من الكفر والتكذيب وبترككم الإيمان { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } يقول لم يعذبهم بغير ذنب ثم قال عز وجل: { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ... }